قصة الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة

أ / عمرو عيسى

إن قصة الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة قد ذكرت في حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي كل قصة يخبرنا بها الرسول يكون خلفها هدف وحكمة يريد أن يعلمنا الرسول إياها.. فالقصة مهما سمعناها لا نمل من سمعاها مع إننا نعرفها جيدًا، لكن من كثرة الفضائل التي يمكن أن نخرج بها من القصة لا نمل منها .

الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة

قصة الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة

عندما نتحدث عن قصة أصحاب الغار التي حكاها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم نأخذ منها الكثير من العبر التي يريدنا أن نعتبر بها فالحديث صحيح في رواه عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وهو في صحيح البخاري، وفيما يلي سنذكر لكم نص الحديث كما تمت روايته مع شرح للحديث، وهو كما يلي.

“عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول سَمِعْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: انْطَلَقَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كانَ قَبْلَكُمْ حتَّى أوَوْا المَبِيتَ إلى غَارٍ، فَدَخَلُوهُ فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الجَبَلِ، فَسَدَّتْ عليهمُ الغَارَ، فَقالوا: إنَّه لا يُنْجِيكُمْ مِن هذِه الصَّخْرَةِ إلَّا أنْ تَدْعُوا اللَّهَ بصَالِحِ أعْمَالِكُمْ”

تكلم الجوزي رحمه الله عن قصة الثلاثة الذين دخلوا الغار .. فأوضح أنه عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم أن ثلاثة أشخاص ممن كان قبلكم كانوا يمشون فأصابهم مطر، وهمّوا بالمبيت إلى الغار.. فدخلوا الغار، وبمجرد دخولهم حطت صخره عظيمة من أعلى الجبل.

فسدت عليهم فتحة الغار، بمعنى أنه سار هذا الغار مثل الصندوق الذين وُضعوا فيه، وقد أُغلق عليهم.. فمهما ينادوا لا يسمعهم أحد وقال بعضهم لبعض أنه لا ينجيكم مما أنتم فيه إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم.. فلا يجدي صريخًا ومناداه.. والشيء الوحيد النافع هو أن يسمع الله ويستجيب وينجينا مما نحن فيه.

لا يفوتك أيضًا:  قصة ذئب يوسف عليه السلام

الرجل الأول: بر الوالدين يفرج الكربات

“فَقالَ رَجُلٌ منهمْ: اللَّهُمَّ كانَ لي أبَوَانِ شيخَانِ كَبِيرَانِ، وكُنْتُ لا أغْبِقُ قَبْلَهُما أهْلًا، ولَا مَالًا فَنَأَى بي في طَلَبِ شيءٍ يَوْمًا، فَلَمْ أُرِحْ عليهما حتَّى نَامَا، فَحَلَبْتُ لهما غَبُوقَهُمَا، فَوَجَدْتُهُما نَائِمَيْنِ وكَرِهْتُ أنْ أغْبِقَ قَبْلَهُما أهْلًا أوْ مَالًا.

 فَلَبِثْتُ والقَدَحُ علَى يَدَيَّ، أنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُما حتَّى بَرَقَ الفَجْرُ، فَاسْتَيْقَظَا، فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا، اللَّهُمَّ إنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذلكَ ابْتِغَاءَ وجْهِكَ، فَفَرِّجْ عَنَّا ما نَحْنُ فيه مِن هذِه الصَّخْرَةِ، فَانْفَرَجَتْ شيئًا لا يَسْتَطِيعُونَ الخُرُوجَ

فيقول الأول في قصة الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة .. اللهم إنه كان لي أبوان شيخين كبيرين.. فكنت أخرج أرعى الغنم وأعود، ولا أغبق قبلهما أهلًا، ولا مالًا.. بمعنى أنه إذا رجع حالبًا الغبوق.. وهو الحَلّبة التي تكون من الغنم أو من الإبل في آخر النهار.

فالرجل يأتي مع غروب الشمس إلى أهله، وهذا الحليب الذي يأتي به هو ما يسد جوع والديه، وجوعة أبناؤه وجوعة زوجته.

تابع: الرجل الأول: بر الوالدين يفرج الكربات

فيقول جئت وقدمت لما نأى بي طلب الشجر، بمعنى أنه في هذا اليوم تأخر، وسار في مكان بعيد فعاد متأخرًا، فوجد أمه وأبوه قد ناما.. قال فكرت أن أوقظهما، وكرهت أن أسقي أحدًا قبلهما، فيقول فلبثت واقفًا باللبن انتظر أمي وأبي حتى يستيقظان.. وأولادي يا يتضاغون عند قدمي.

بمعنى أن أولاده يتلوون من شدة الجوع، فكيف له أن يتحمل منظر هكذا، وأولاده جوعى.. لكنه يظل واقفا ينتظر أمه وأبوه حتى يستيقظان، ويتحمل بكاء صبيانه.. فيقول فاستيقظا فشربا غبوقهما، فاللهم إن كنت تعلم أني ما فعلت هذا الله البر إلا ابتغاء وجهك، والتماس مرضاتك فرج عنا ما نحن فيه.

فلسان حال هذا الرجل يقول هذا العمل الصالح تعظيم لك ربي، لا أن يعطيني أبي زيادة من الميراث، أو أن تعطيني أمي كذا.. لكن هذا العمل لوجه الله فقط، ربي كنت تعلم ما فعلت ذلك إلا ابتغاء وجهك والتماس مرضاتك أفرج عنا ما نحن فيه.. يقول فتحركت الصخرة لكن الفتحة التي تحركت لا يقدرون أن يخرجون منها.

الرجل الثاني: ترك المعصية خوفًا من الله

“قالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: وقالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ كَانَتْ لي بنْتُ عَمٍّ، كَانَتْ أحَبَّ النَّاسِ إلَيَّ، فأرَدْتُهَا عن نَفْسِهَا، فَامْتَنَعَتْ مِنِّي حتَّى ألَمَّتْ بهَا سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ، فَجَاءَتْنِي، فأعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ ومِئَةَ دِينَارٍ علَى أنْ تُخَلِّيَ بَيْنِي وبيْنَ نَفْسِهَا.

 فَفَعَلَتْ حتَّى إذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا، قالَتْ : لا أُحِلُّ لكَ أنْ تَفُضَّ الخَاتَمَ إلَّا بحَقِّهِ، فَتَحَرَّجْتُ مِنَ الوُقُوعِ عَلَيْهَا، فَانْصَرَفْتُ عَنْهَا وهي أحَبُّ النَّاسِ إلَيَّ، وتَرَكْتُ الذَّهَبَ الذي أعْطَيْتُهَا، اللَّهُمَّ إنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ابْتِغَاءَ وجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا ما نَحْنُ فِيهِ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ غيرَ أنَّهُمْ لا يَسْتَطِيعُونَ الخُرُوجَ منها”

قال الثاني من خلال قصة الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة .. اللهم إنه كان لي ابنة عم وإني أحبها أكثر ما يحب الرجال النساء ويعشقها عشقًا عظيما.. فأردت أن أتزوجها فرفضت.. فيقول فألمت بها سنة من السنين، بمعنى أنه أصابها فقر كبير، فجاءت إليّ وقالت لي ساعدني.. قال فأعطيتها مائة دينار.

فهي في ذلك الوقت ثروة كبيرة على أن تخلّي بينه وبين نفسها.. فالمرأة تحت ضغط الحاجة والفقر الذي ألمّ بها، ووافقت فلما تمكن منها قالت اتقي الله بمعنى لا تستغل ضعفي، وحاجتي.. واستكملت قائلةً ولا تفض الخاتم إلا بالحق.. يقول فتركتها وهي أحب الناس إليّ.

لا يفوتك أيضًا:  قصة نبي الله سليمان مع النملة

تباع: الرجل الثاني: ترك المعصية خوفًا من الله

قال اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا.. فما يقوله هذا الرجل خبيئة بينه وبين ربه، فهو لم يخبر أحدًا، ولم يدري أحدًا بما فعل.. فلسان حاله يقول يا رب أنت رأيتني في هذا، وأنت تعلم يا ربي أني ما تركتها خوفًا من أبيها، أو خوفًا من أمها، أو أخوتها.

لكن تركته تعظيما لك وحدك، وحبًا، ورغبة فيما عندك فإن كنت ربي تعلم أني ما تركتها إلا ابتغاء وجهك وطمعًا في مرضاتك، ففرج عنا يا رب ما نحن فيه.. قال صلى الله عليه وسلم فتحركت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون أن يخرجوا منها.

الرجل الثالث: رد الأموال لأصحابها يفرج الكُرب

“قالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: وقالَ الثَّالِثُ: اللَّهُمَّ إنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ، فأعْطَيْتُهُمْ أجْرَهُمْ غيرَ رَجُلٍ واحِدٍ تَرَكَ الذي له وذَهَبَ، فَثَمَّرْتُ أجْرَهُ حتَّى كَثُرَتْ منه الأمْوَالُ، فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ فَقالَ: يا عَبْدَ اللَّهِ أدِّ إلَيَّ أجْرِي.

فَقُلتُ له : كُلُّ ما تَرَى مِن أجْرِكَ مِنَ الإبِلِ والبَقَرِ والغَنَمِ والرَّقِيقِ، فَقالَ: يا عَبْدَ اللَّهِ لا تَسْتَهْزِئُ بي، فَقُلتُ: إنِّي لا أسْتَهْزِئُ بكَ، فأخَذَهُ كُلَّهُ، فَاسْتَاقَهُ، فَلَمْ يَتْرُكْ منه شيئًا، اللَّهُمَّ فإنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذلكَ ابْتِغَاءَ وجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا ما نَحْنُ فِيهِ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ، فَخَرَجُوا يَمْشُونَ” .

فيقول الثالث في قصة أصحاب الصخرة.. اللهم إنه كان لي أرض واستأجرت أُجراء لهذه الأرض بمعنى أنه استأجر أُناس لحصادها.. فالذين لديهم مزارع أو أراضي يعرفون أنهم في الأوقات العادية يكون القائمون عليها فرد أو فردين، عمال بمعنى أصح لكن إذا جاء وقت الحصاد فلا يكفي العاملان.

فيذهب ويستأجر عمال لمدة معينة، لمدة عدة أيام مثلًا، فبعد أن استأجر العمال وانتهى عملهم وجاء وقت أخذه أجرتهم، أخذوا كلهم أجرتهم إلا واحد منهم عندما أعطاه لم يريد أن يأخذها ورفض، وعندما سأله عن السبب.

قال له إنها قليلة، ويريد أكثر فقال له صاحب المزرعة أنا اتفقت معك على هذا المبلغ.. فقال له الأجير فإما أن تزيدني أو لا أريدها ورفض أن يأخذها وذهب.

فلم يقل صاحب المزرعة في باله ما طاح من النجوم تخفيفٌ على السماء، لكن أخذها، ونماها له، وبدأ يتكاثر ماله حتى صار هذا الأجر وادي من الغنم.. فسنين تتكاثر هذه الأموال.. ويكمل صاحب المال حديثه جاءني بعد سنين، فالشخص إذا نفد ماله يبحث عن أي أموال له كي يأخذها.

لا يفوتك أيضًا:  قصة هاروت وماروت مكتوبة كاملة

تابع: الرجل الثالث: رد الأموال لأصحابها يفرج الكُرب

فتذكر الرجل الذي اشتغل عنده قبل سنوات فذهب ليطالبه بماله، وذكره بنفسه أنه اشتغل عنده من عدة سنوات وأنه كان يريد الأجرة التي عرضها عليه.. فهي دراهم معدودات لكن تفي بالغرض.

فقال له صاحب المزرعة إذن تريد مالك فقال له نعم فقال له أترى هذا الوادي، فنظر الرجل فرأى غنمًا كثيرة.. فقال له نعم أرى.. فقال صاحب المزرعة هذا مالك.

فظن الرجل أنه يسخر منه، ويستهزئ به.. فلم يصدقه فكيف يكون لهذا الوادي كله أن يكون ملكًا له.. فتخيل أن رجل فقير يطلب منك أموالًا يقضي بها حاجته فتقوم أنت بإخراج مبلغ كبير جدًا فلن يصدق نفسه، ويندهش، ويظن أنك تسخر منه.

فلم يتوقع أن يأخذ هذا المبلغ كله، لأنه من العادي بالنسبة له أن يأخذ المبلغ الصغير ويقول لك جزاك الله خيرًا.. فقال صاحب المزرعة هذا والله مالك نميته لك.. بمعنى أنى شغلته لك، ويقول الرجل أخذه كله ولم يترك منه شيء.

ثم قال اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك إلا ابتغاء وجهك، والتماسًا لمرضاتك ففرج عنا ما نحن فيه.

فقال فانفرجت الصخرة أي بعدت، وخرجوا.. فيقول الإمام الجوزي لو أني قرأت صحائف عملي أبحث عن عمل صالح لو وقعت في كربة قلت اللهم اكشف عني كذا بكذا لما وجدت.

بهذا نكون قد قدمنا لكم قصة الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة، فقد قدمنا شرحًا مفصلًا لكل جزء من أجزاء الحديث، بحسب مواقف الرجال الثلاثة في الغار، والعبرة المقصودة في كل قصة من قصصهم، فكما ذكرنا أن المقصود ليس القصة بذاتها لكن العبر المستخلصة منها.