تحليل قصيدة عنترة بن شداد يا دار عبلة

أ / عمرو عيسى

تحليل قصيدة عنترة بن شداد يا دار عبلة يوضح لك مدى عبقرية الشعراء العرب في التعبير عما يدور في دواخلهم من مشاعر تجاه محبوبتهم، والجدير بالذكر أنه رغم أن تلك المعلقة هي الوحيدة لعنترة إلا أنه استطاع بها أن يعبر عن شخصه وصفاته بشكل دقيق، وذلك ما سنفهمه من خلال تحليلها.

نبذة عن عنترة بن شداد

تحليل قصيدة عنترة بن شداد يا دار عبلة

عنترة بن شداد بن عمرو بن قراد العبسي، من فرسان العرب وكانت أمه سوداء اللون اسمها زبيبة، الجدير بالذكر أنه رغم شهرته تلك حتى عصرنا هذا إلا أن قومه في البداية كانوا يستخفون به، وذلك حتى جاء اليوم الذي غارت عليهم فيه القبائل.

فقد كان عنترة الذي وُلد في 525 ميلاديًا في تلك المعارك كالفارس الشجاع، والذي امتاز بالكرم وشهد حرب الغبراء وداحس، ورغم تلك الشجاعة والقوة إلا أن العاطفة كان لها قدرًا كبيرًا في حياته، حيث إنه أحبّ ابنة عمه عبلة.

تغزّل فيها في الكثير من القصائد، فنعم كان شاعرًا يتغنى بشعره العرب إلى وقتنا، وامتاز بالرقة والسلاسة في الفهم وإيصال المعنى المطلوب، والجدير بالذكر أن قصته قد تم تأليف العديد من القصص عليها، ومن أشهر معلقاته هي يا دار يا عبلة التي تغزّل فيها بحبيبته، وفيما يلي نتناول تحليل أبياتها سويًا.

لا يفوتك أيضًا:  بحث عن مدرسة الإحياء والبعث

المقدمة الطليلة

هَل غادَرَ الشُعَراءُ مِن مُتَرَدَّمِ             أَم هَل عَرَفتَ الدارَ بَعدَ تَوَهُّمِ

 يا دارَ عَبلَةَ بِالجَواءِ تَكَلَّمي             وَعَمي صَباحاً دارَ عَبلَةَ وَاِسلَمي

فَوَقَفتُ فيها ناقَتي وَكَأَنَّه                  فَدَنٌ لِأَقضِيَ حاجَةَ المُتَلَوِّمِ

في تلك الأبيات الأولى من المعلقة قد اتضح في شعر عنترة الأدبية التاريخية، حيث إنها أشارت إلى أن الشعر العربي في الإسلام كان موجودًا في القدم، وأنه أقدم مما نعتقد؛ كما أن عنترة مؤمنًا بمن سبقوه في مجاله، وأنهم ألمّوا بكل المعاني.

المعنى الجليل في الأبيات هنا أن الشعراء لم يتركوا شيئًا إلا وقد صاغوه وهو استفهام يدل على الإنكار، ويتغنى بأنهم لم يتركوا له سبيل لكي يعبر عما يريد، من ثم ينتقل في الأبيات إلى مخاطبة نفسه وهو حزين على أطلال عبلة وتركها بيتها، وأن البيت شكله غير حسن وتغير حاله بعدما تركه أهله.

من ثم انتقل الشاعر إلى مخاطبة الدار الخاصة بعبلة، سائلًا عن أهلها وما حالهم بعد الرحيل، والتفت إلى تحيتها محييًا عبلة ودعا أن يسلم أهلها ودارها من أي سوء.

المفاخرة بالصفات والشيّم “الأبيات 4-6”

وَتَحُلُّ عَبلَةُ بِالجَواءِ وَأَهلُن               بِالحَزنِ فَالصَمّانِ فَالمُتَثَلَّمِ

حُيِّيتَ مِن طَلَلٍ تَقادَمَ عَهدُهُ               أَقوى وَأَقفَرَ بَعدَ أُمِّ الهَيثَمِ

حَلَّت بِأَرضِ الزائِرينَ فَأَصبَحَت         عَسِرًا عَلَيَّ طِلابُكِ اِبنَةَ مَخرَمِ

في تلك الأبيات يقول عنترة أن أهل عبلة قد انتقلوا إلى الجواء، وهو عبارة عن المكان الواسع والجميل، أما عن عائلته هو فقد نزل بهم الحزن والأرق، وهي من الصور البلاغية التي تعبر عن مدى معاناة عنترة ببعد عبلة عنه، من ثم عاد عنترة إلى أن يبكي على الأطلال، ويوضح كم حالتها مزرية بعد بُعد عبلة عنهما.

غزل عبلة “الأبيات من 7-11”

عُلِّقتُها عَرَضًا وَأَقتُلُ قَومَه       زَعماً لَعَمرُ أَبيكَ لَيسَ بِمَزعَمِ  

وَلَقَد نَزَلتِ فَلا تَظُنّي غَيرَهُ         مِنّي بِمَنزِلَةِ المُحَبِّ المُكرَمِ  

كَيفَ المَزارُ وَقَد تَرَبَّعَ أَهلُه          بِعُنَيزَتَينِ وَأَهلُنا بِالغَيلَمِ  

إِن كُنتِ أَزمَعتِ الفِراقَ فَإِنَّم        زُمَّت رِكابُكُمُ بِلَيلٍ مُظلِمِ  

ما راعَني إِلّا حَمولَةُ أَهلِه       وَسطَ الدِيارِ تَسَفُّ حَبَّ الخِمخِمِ

يبدأ عنترة هنا في مطلع ذلك البيت بأن يتغزل في عبلة، ويصف لها حال الدار من بعدها، فيقول إنه لا قوى على أن ينظر إلى الديار وهي لا تتواجد داخلها، وأنه في حال النظر إليها يشعر بالاشتياق ويزداد لوعةً.

ويقسم هنا بأبيها أنه لا يمكن الوصول إليها ويرى ذلك أشبه بالمستحيل، ويوضح في الأبيات من بعد ذلك أنه يرغب في أن يرى عبلة ولكن المسافات هي ما تحيل بين حبهما، ويستمر عنترة في الغزل بالمحبوبة في الأبيات من 12- 20.

وصف الفرس “الأبيات من 21-34”

وَحَشِيَّتي سَرجٌ عَلى عَبلِ الشَوى ** نَهدٍ مَراكِلُهُ نَبيلِ المَحزِمِ  

هَل تُبلِغَنّي دارَها شَدَنِيَّةٌ ** لُعِنَت بِمَحرومِ الشَرابِ مُصَرَّمِ  

خَطّارَةٌ غِبَّ السُرى زَيّافَةٌ ** تَطِسُ الإِكامَ بِوَخذِ خُفٍّ ميثَمِ  

وَكَأَنَّما تَطِسُ الإِكامَ عَشِيَّةً ** بِقَريبِ بَينَ المَنسِمَينِ مُصَلَّمِ

تَأوي لَهُ قُلُصُ النَعامِ كَما أَوَت ** حِزَقٌ يَمانِيَةٌ لِأَعجَمَ طِمطِمِ  

يَتبَعنَ قُلَّةَ رَأسِهِ وَكَأَنَّهُ ** حِدجٌ عَلى نَعشٍ لَهُنَّ مُخَيَّمِ  

صَعلٍ يَعودُ بِذي العُشَيرَةِ بَيضَهُ ** كَالعَبدِ ذي الفَروِ الطَويلِ الأَصلَمِ  

شَرِبَت بِماءِ الدُحرُضَينِ فَأَصبَحَت ** زَوراءَ تَنفِرُ عَن حِياضِ الدَيلَمِ  

وَكَأَنَّما تَنأى بِجانِبِ دَفَّها ال **وَحشِيِّ مِن هَزِجِ العَشِيِّ مُؤَوَّمِ

هِرٍ جَنيبٍ كُلَّما عَطَفَت لَهُ ** غَضَبى اِتَّقاها بِاليَدَينِ وَبِالفَمِ  

بَرَكَت عَلى جَنبِ الرِداعِ كَأَنَّم ** بَرَكَت عَلى قَصَبٍ أَجَشَّ مُهَضَّمِ  

وَكأَنَّ رُبّاً أَو كُحَيلاً مُعقَد ** حَشَّ الوَقودُ بِهِ جَوانِبَ قُمقُمِ  

يَنباعُ مِن ذِفرى غَضوبٍ جَسرَةٍ ** زَيّافَةٍ مِثلَ الفَنيقِ المُكدَمِ

إِن تُغدِفي دوني القِناعَ فَإِنَّني ** طَبٌّ بِأَخذِ الفارِسِ المُستَلئِمِ

قد عبر عنترة عن قوة فرسه وشدته في تلك المعلقة بشكل بلاغي جميل، حيث أوضح أنه ملامحه في البداية وأنه غليظ القوام، ذو أطراف قوية، سمين موضع الحزامة وضخم الجنبين، ويبدأ في التعبير عن حبه لعبلة من ذلك المنطلق سائلًا الناقة هل يمكنها الوصول إلى عبلة أم لا.

من ثم انتقل في الأبيات إلى وصف جمالها وقوتها في السير وأنها نشيطة ومرحة في ذات الوقت، وانتقل إلى الحديث عن سرعتها التي تشبه الظليم الذي يأوى إليه الأنعام، وقال إن تلك الناقة قد شربت من المياه في الموضع مما جعلها تكره مياه الأعداء.

تنوعت الصور البلاغية في معلقة عنترة أثناء وصفه لناقته، حيث شبه عرقها الخارج من رأسها وعنقها بالقطران الذي إن تم إشعال النار عليه فإنه يغلي، والمقصود هنا أن العرق أسود اللون، وهو تعبير عن مدى سرعتها وقوتها.

مخاطبة عبلة “الأبيات 40-45”

هَلّا سَأَلتِ الخَيلَ يا اِبنَةَ مالِكٍ

إِن كُنتِ جاهِلَةً بِما لَم تَعلَمي

إِذ لا أَزالُ عَلى رِحالَةِ سابِحٍ

نَهدٍ تَعاوَرُهُ الكُماةُ مُكَلَّمِ

طَوراً يُجَرَّدُ لِلطِعانِ وَتارَةً

يَأوي إِلى حَصدِ القَسِيِّ عَرَمرَمِ

هنا يبدأ عنترة في الالتفات إلى عبلة مرة أخرى ويكرمها بالمناداة، فيحثّها على ان تسأل الفرسان إن كانت هناك أمور تجهلها هي، ويتغنى بصفاته الجميلة والقوة الكائنة بجسده، ويقول إن جميعهم يعلمون أنه شهم ولا يستأثر بشيء لنفسه عن أصحابه.

كما يعبر عنترة أنه يحارب من أجل الدفاع عن المظلومين، ولا يرغب في أن يقوم بذلك من أجل الحصول على أي من الغنائم أو ما شابه مما يحصل عليه من يحارب.

لا يفوتك أيضًا:  أشعار نزار قباني (شكرا لكم)

تصوير القوة والبسالة في الحروب الأبيات “46-56”

يُخبِركِ مَن شَهِدَ الوَقيعَةَ أَنَّني

أَغشى الوَغى وَأَعِفُّ عِندَ المَغنَمِ

وَمُدَجَّجٍ كَرِهَ الكُماةُ نِزالَهُ

لا مُمعِنٍ هَرَباً وَلا مُستَسلِمِ

جادَت لَهُ كَفّي بِعاجِلِ طَعنَةٍ

بِمُثَقَّفٍ صَدقِ الكُعوبِ مُقَوَّمِ

فَشَكَكتُ بِالرُمحِ الأَصَمِّ ثِيابَهُ

لَيسَ الكَريمُ عَلى القَنا بِمُحَرَّمِ

فَتَرَكتُهُ جَزَرَ السِباعِ يَنُشنَهُ

يَقضِمنَ حُسنَ بِنانِهِ وَالمِعصَمِ

وَمِشَكِّ سابِغَةٍ هَتَكتُ فُروجَها

بِالسَيفِ عَن حامي الحَقيقَةِ مُعلِمِ

رَبِذٍ يَداهُ بِالقِداحِ إِذا شَتا

هَتّاكِ غاياتِ التِجارِ مُلَوَّمِ

لَمّا رَآني قَد نَزَلتُ أُريدُهُ

أَبدى نَواجِذَهُ لِغَيرِ تَبَسُّمِ

عَهدي بِهِ مَدَّ النَهارِ كَأَنَّما

خُضِبَ البَنانُ وَرَأسُهُ بِالعِظلِمِ

فَطَعَنتُهُ بِالرُمحِ ثُمَّ عَلَوتُهُ

بِمُهَنَّدٍ صافي الحَديدَةِ مِخذَمِ

بَطَلٍ كَأَنَّ ثِيابَهُ في سَرحَةٍ

يُحذى نِعالَ السِبتِ لَيسَ بِتَوأَمِ

يسترسل عنترة الأبيات وهو مفتخرًا بأسلوبه في الملاحم مصورًا شجاعته في القضاء على فارس شديد، حيث كان يكره كل الفرسان شجاعته وقوته ويرفضون أن يواجهونه، إلا أنه لم يتراجع وعاجله بطعنة فتكت به، وطالت قلبه برمحه المسنون، وأوضح أن مقبض قوي وأنها كانت بمثابة طعنة سريعة منحته الشرف أن يموت على يديّ عنترة.

الفرس يشارك الحرب “الأبيات 57-60”

يا شاةَ ما قَنَصٍ لِمَن حَلَّت لَهُ

حَرُمَت عَلَيَّ وَلَيتَها لَم تَحرُمِ

فَبَعَثتُ جارِيَتي فَقُلتُ لَها اِذهَبي

فَتَجَسَّسي أَخبارَها لِيَ وَاِعلَمي

قالَت رَأَيتُ مِنَ الأَعادي غِرَّةً

وَالشاةُ مُمكِنَةٌ لِمَن هُوَ مُرتَمِ

وَكَأَنَّما اِلتَفَتَت بِجيدِ جَدايَةٍ

رَشإٍ مِنَ الغِزلانِ حُرٍّ أَرثَمِ

نِبِّئتُ عَمرواً غَيرَ شاكِرِ نِعمَتي

وَالكُفرُ مَخبَثَةٌ لَنَفسِ المُنعِمِ

وَلَقَد حَفِظتُ وَصاةَ عَمّي بِالضُحى

إِذ تَقلِصُ الشَفَتانِ عَن وَضَحِ الفَمِ

يكمل عنترة هنا إيضاح المعركة التي شارك فيها الفرس الخاص به، قائلًا إن الأعداء مقدمين عليه يحرضون بعضهما على القتال ولكنه عطف عليهم ألا يقاتلهم، وبينما كانت تلك الرماح تكاد تنهال على صدر الفرس لم يبال هو بل دفع به وسط المعركة، حتى أصيب الفرس بالعديد من الجروح.

فجعله يشكوا وصهيله خافت وبأعينه دموع، وأوضح عنترة هنا بحزن أنه كان يعلم آلامه وما يشعر به، وأدرك أنه لو كان يتمكن من الحديث لعبّر عما يشعر به من آلام.

الجدير بالذكر أن عنترة هنا يُبدي أنه متعلق بشكل وجدانٍ قوي بفرسه، وأن ذلك ما يميزه عن غيره من الفرسان، فغيره لا يبدون أي تعاطف مع الخيل الخاصة بهم.

مشهد من القتال “الأبيات 63- 68”

تحليل قصيدة عنترة بن شداد يا دار عبلة

في حَومَةِ الحَربِ الَّتي لا تَشتَكي

غَمَراتِها الأَبطالُ غَيرَ تَغَمغُمِ

إِذ يَتَّقونَ بِيَ الأَسِنَّةَ لَم أَخِم

عَنها وَلَكِنّي تَضايَقَ مُقدَمي

لَمّا رَأَيتُ القَومَ أَقبَلَ جَمعُهُم

يَتَذامَرونَ كَرَرتُ غَيرَ مُذَمَّمِ

هنا يكمل عنترة المعلقة ويوضح لنا مشهد من القتال، ووصية عمه بألا يقوم بالشكوى في وقت الحرب، وألا يخاف في المعارك لأنه لا مكان لصياح الأبطال، ودلّ هذا هنا أن الحرب كانت شديدة وقوية، ويصف هنا مشهد إقدام الجيوش عليه ولكنه لا يبالي ويصدر فرسه ورمحه نحوهم.

لا يفوتك أيضًا:  أقوال وخواطر الشاعر أحمد شوقي

القسم الأخير

لَو كانَ يَدري ما المُحاوَرَةُ اِشتَكى

 وَلَكانَ لَو عَلِمَ الكَلامَ مُكَلِّمي

وَلَقَد شَفى نَفسي وَأَذهَبَ سُقمَها

قيلُ الفَوارِسِ وَيكَ عَنتَرَ أَقدِمِ

وَالخَيلُ تَقتَحِمُ الخَبارَ عَوابِساً

مِن بَينِ شَيظَمَةٍ وَآخَرَ شَيظَمِ

ذُلُلٌ رِكابي حَيثُ شِئتُ مُشايِعي

لُبّي وَأَحفِزُهُ بِأَمرٍ مُبرَمِ

وَلَقَد خَشيتُ بِأَن أَموتَ وَلَم تَدُر

لِلحَربِ دائِرَةٌ عَلى اِبنَي ضَمضَمِ

الشاتِمَي عِرضي وَلَم أَشتِمهُم

وَالناذِرَينِ إِذا لَم اَلقَهُما دَمي

إِن يَفعَلا فَلَقَد تَرَكتُ أَباهُم

جَزَرَ السِباعِ وَكُلِّ نَسرٍ قَشعَمِهنا

يعود عنترة مرة أخرى إلى وصف ما يتسم به من شجاعة وبسالة، وأنه لم يسبهما ولكنه أراد أن يسفكهما وأنه في غيبته لم يخافا منه ولا يستطيعا أن يظهرا أمامه البسالة والشجاعة، كما يعتز بنفسه وأنه لم يتعجب أنهما شتماه بعدما قتل أباهما وجعل النسور والسباع تلتهم لحمه.

قد كان لعنترة بن شداد القوة البلاغية في التعبير عن مشاعره وحبه لعبلة حتى في أحلك اللحظات، وهو ما جعله يترك لنا واحدة من المعلقات السبع الأفضل، والتي تتميز بقوة الأسلوب فيها وكلماتها كلها تعبر عن الحماس.

أ / عمرو عيسى

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *