من هو الصحابي الذي اقترح جمع القرآن؟ ومن كُلف بجمعه؟

أ / عمرو عيسى

من هو الصحابي الذي اقترح جمع القرآن؟ ومن كُلف بجمعه؟ فإن القرآن الكريم قد مرّ بمرحلتين من الجمع لآياته حتى نجده أمامنا تلك الأيام في صحف محفوظة إلى يوم القيامة دون تحريف أو تبديل، وذلك ما يرجع إلى رأي أحد الصحابة الجليلة بعد معركة ألهمته الفكرة خوفًا على ضياعه، وفيما يلي نتعرف على قصة جمع القرآن بالتفصيل.

جمع القرآن في عهد النبي

من هو الصحابي الذي اقترح جمع القرآن

كان نبينا محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ يستحفظ الصحابة بما ينزل عليه من القرآن الكريم، وله كتّاب يكتبون بأمره وإقراره بين يديه ما ينزل عليه من الآيات، ويدعوهم ليكتبوا تلك الآية في سورة كذا.

فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ: “ مَع القُرْآنَ علَى عَهْدِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أرْبَعَةٌ، كُلُّهُمْ مِنَ الأنْصَارِ: أُبَيٌّ، ومُعَاذُ بنُ جَبَلٍ، وأَبُو زَيْدٍ، وزَيْدُ بنُ ثَابِتٍ. قُلتُ لأنَسٍ: مَن أبو زَيْدٍ؟ قالَ: أحَدُ عُمُومَتِي” [صحيح البخاري].

أي أن هؤلاء الأنصار الأربعة هم من كانوا يجمعون القرآن في أيام النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ ويكتبونه ورائه، وكان لكل منهم دور في الإسلام والعمل والعلم، وهذا لا يعني أنه لا يوجد غيرهم من صحابة النبي لم يحفظوا القرآن، ولكن هؤلاء هم من كان لهم تصريح بجمعه.

كما أن في ذلك تباين بمعارف الصحابة وميولهم، فمنهم من وُفق بحفظ القرآن الكريم وآياته، ومنهم من استطاع حفظ الأحاديث، بينما الآخرين قد تميزوا في الجهاد والغزو والفقه أو الفرائض، وذلك ما يعطي اقتداء للمسلم بأن يستودع ما فيه من مواهب وقدرات لدينه ولمجتمعه ولنفع نفسه.

لا يفوتك أيضًا:  دعاء ختم القرآن الكريم والمصحف في رمضان مكتوب

اقتراح جمع القرآن في عهد أبي بكر

من هو الصحابي الذي اقترح جمع القرآن

  بعد وفاة الرسول الكريم ـ عليه أفضل الصلاة والسلام ـ قد كان الصحابة هم من استلموا راية الإسلام من بعده، وهم من كانوا ينقلون أقاويل أشرف الخلق ويتداولون القرآن فيما بينهم والتعاليم الدينية التي نصح بها ـ عليه الصلاة والسلام ـ.

لكن بمرور الوقت أصبح لحروب الردة دور في قتل عدد كبير من تلك الصحابة الجليلة، ففي معركة اليمامة قد كان هناك ما يقرب من 70 صحابيّ تعرض للقتل، وهو ما يجعل بقية الخلفاء الراشدين يشعرون بالقلق حيال ذلك.

حيث إن القرآن الكريم هو ما يُرشد إلى كل شيء في الحياة الدنيا، ويساعد في إيجاد طريق الصواب والبعد عن المعصية والخطأ، ويوضح حدود الله لمن لا يعرفها.

حينها قد اقترح عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ على أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ أن يقوم بجمع القرآن الكريم، خاصةً بعد معرفته بمقتل أكثر الصحابة حفظًا له في معركة اليمامة، وخشي أن تلتهم بقية المعارك ما بقي من الحفاظ.

بعدها قد استقر رأي الصحابي أبو بكر الصديق وقال في مجلس بالمسجد أنه يأمر بجمع القرآن الكريم حيث إن القتل قد اشتد في معركة اليمامة ـ التي ادّعى فيها مسيلمة الكذاب النبوة ـ، وأنه يخشى أن ينسى الناس القرآن الكريم وان يضيع الكثير منه حينما يموت حملته.

ذلك بعدما ناقش عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ في أمر جمع القرآن الكريم دون رأي أو أمر من الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ ولكن كانت حُجة عمر مقنعة له حينما قال إن جمعه أفضل من تركه أو ضياعه، ليكون عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ هو من اقترح جمع القرآن من الصحابة.

لا يفوتك أيضًا:  دعاء ختم القرآن للسديس مكتوب كامل

تكليف زيد بجمع القرآن

عن زيد بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ عن أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ: “…. قالَ أبو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْه: إنَّ عُمَرَ أتَانِي فَقالَ: إنَّ القَتْلَ قَدِ اسْتَحَرَّ يَومَ اليَمَامَةِ بقُرَّاءِ القُرْآنِ، وإنِّي أخْشَى أنْ يَسْتَحِرَّ القَتْلُ بالقُرَّاءِ بالمَوَاطِنِ، فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنَ القُرْآنِ، وإنِّي أرَى أنْ تَأْمُرَ بجَمْعِ القُرْآنِ…..”[صحيح البخاري].

في نفس المجلس قد وجّه أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ حديثه إلى زيد بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ لكي يخبره عن رغبته في أن يقوم بجمع آيات الله تعالى، وكان حينها شاب في الخامسة والعشرين من عمره، يتصف بالنشاط، القوة في أداء ما يُطلب مه والعقل.

كما أنه يتصف بالصدق ولا ينسى، لذلك قد رأى أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ أن زيد بن ثابت هو الأنسب والأولى لكي يقوم بتلك المهمة الجليلة أكثر من غيره، وطلب منه أن يقوم بجمعه من صدر كل رجل حفظه، ومن كل ما كُتب منه متفرقًّا.

بنفس المجلس قد استقبل زيد ذلك الطلب بصدر رحب، وقال إنه لو كلّفه أبا بكر بنقل جبل من مكانه لفعل ذلك دون أن يستثقله كما سيجمع القرآن الكريم، وذلك لم يكن ضيقًا وإنما خوفًا لأن يقصر فيما طلب منه جمعه.

ثم سأل نفس السؤال لأبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ وكيفية القيام بذلك دون أمر من الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ ليجيبه بنفس الإجابة، وقد شُرح صدر زيد لها كما شُرح صدر أبو بكر الصديق، ومن ثم يسّر الله تعالى لزيد إمكانية جمع القرآن الكريم للحفاظ عليه من التحريف أو التبديل.

زيد بن ثابت وآلية جمعه للقرآن

من هو الصحابي الذي اقترح جمع القرآن

بعد اقتراح جمع آيات الله تعالى من عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ، قد تتبع زيد بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ منهجًا دقيقًا منضبطًا أعانه الله تعالى فيه على جمع كل نص من القرآن الكريم وحفظه من التحريف، واعتمدت آلية جمعه له على كتابته في البداية على جمع كل ما هو مكتوب عنده وعند غيره من الصحابة على الرقاع ـ جلد أو ورقة ـ وغيرها من الأكتاف وهو من العظام العريضة التي تتواجد في كتف الحيوانات وكان يكتب عليها بعد تنشيفه.

كذلك العسب وهو جمع عسيب وعبارة عن جريد النخل الذي كان يكشط ويتم الكتابة على طرفه العريض، ومن ثم كان يُكمل ما لا يجده مكتوب من صدور حفظة القرآن الكريم ممن عاصروا الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ كأبي بن كعب ومعاذ بن جبل ـ رضي الله عنهما وأرضاهما ـ.

كما أن زيد كان لا يكتفي بما هو مكتوب لكي يصدق أنه من القرآن الكريم، بل اعتمد على ما سمعه من حفظة القرآن الكريم في التأكد من صحة ما هو مكتوب، وذلك على الرغم من أن زيد حافظ لقرآن الله تعالى، ولكن ذلك كان من المبالغة في الاحتياط.

كذلك لم يكن يقبل من أحد شيئًا من القرآن الكريم سوى بشهادة شهيدين، هو ما كان أمر من أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ كذلك، حيث طلب من عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت ـ رضي الله عنهما ـ أن يجلسا عند باب المسجد ولا يتم كتابة شيء سوى بعدما يصدق عليه شهيدين وأنه كتب بين يديّ رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ.

إلى أن كتب زيد آخر آيتين من سورة التوبة عندما وجدهما مع خزيمة مكتوبتين، وبذلك المنهج الدقيق في التنفيذ لما طُلب من زيد قد قويّ بتيسير من الله تعالى على جمع القرآن الكريم في صحف.

لا يفوتك أيضًا:  افضل 20 أدعية الأنبياء والرسل من القرآن الكريم

حفظ الصحف بعد جمعها

بعد تمام جمع القرآن الكريم وفقًا لاقتراح الصحابيّ عمر قد تم حفظه عند أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ ومن ثم حينما مات قد تم حفظه لدى عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ إلى أن تم حفظه عند حفصة ابنة عمر ـ رضي الله عنهما ـ.

تم جمع القرآن الكريم في كتاب واحد بعدما فقد الكثير من حفظه القرآن الكريم في معركة اليمامة، بعد المشورة بين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وابو بكر الصديق، ومازال القرآن محفوظًا حتى وقتنا هذا بسبب تلك المشورة.