ماذا كان يفعل النبي في العشر الأواخر من رمضان؟

أ / ايه السيد جبر

فضل العشر الأواخر من رمضان بعدما كان المسلمون يحتفلون منذ عدة أسابيع بقدوم شهر رمضان الكريم أصبح على المسلمين توديع الشهر الكريم الذي يفصلنا عن نهايته عدة أيام معدودة بعدما مر منه أكثر من ثلثيه ، وعلى الرغم من قرب نهايته إلا أننا على مشارف أفضل أيام الشهر الكريم وهي العشر الأواخر من رمضان التي يكثر بها العبادات وأعمال الخير أسوة برسولنا محمد “صلى الله عليه وسلم .

أفعال النبي في العشر الأواخر من رمضان

دائما ما يكون رسولنا الكريم محمد قدوتاً حسنة لجميع المسلمين الذين يحاولون السير على خطاه باتباع سنته وأحاديثه خاصة أن الرسول الكريم لم يكن يفعل أي شيء من نفسه وإنما هو وحي ينزل عليه من الله عز وجل ، ومن ضمن هذه الأفعال التي يجب اتباعها هي أفعال الرسول محمد “ص”في العشر الأواخر من شهر رمضان.

ومن منطلق عدة أحاديث وردت عن سيد الخلق سيدنا محمد فقد اتضح أن العبادة التي كان يقوم بها في العشر الأواخر من رمضان تختلف عن باقي العام حيث ذكرت السيدة عائشة “رضي الله عنها”أن الرسول كان يزيد من عباداته في العشر الأواخر من شهر رمضان ، وقد ورد هذا الحديث في صحيح مسلم وهو :

“فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره”رواه مسلم”.

كما ذكرت السيدة عائشة أن الرسول الكريم كان يحافظ على الاعتكاف في المسجد إذا حضرت الايام العشرة الاخيرة من رمضان ، ولم يقطع هذا الاعتكاف حتى وفاته فقد حرص عليه في كل عام .

احاديث عن العشرة الاواخر من رمضان

وقد كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يعتكف في المسجد ويلزمه فلا يخرج منه في العشر الأواخر؛ تفرّغاً لعبادة الله -عزّ وجلّ-، وطلباً لثواب الله وفضله بإحياء ليلة القدر، وتزوّداً من الأعمال الصّالحة في موسم الأجر، وحملاً للنّفس وتدريباً لها على الصبرِ على فعلِ الطّاعةِ وخصالِ البرّ.

ففي الصّحيحين عن عائشة رضي الله عنها : «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ» .

وفي صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «إِنِّي اعْتَكَفْتُ الْعَشْرَ الأَوَّلَ أَلْتَمِسُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ، ثُمَّ اعْتَكَفْتُ الْعَشْرَ الأَوْسَطَ، ثُمَّ أُتِيتُ فَقِيلَ لِي: إِنَّهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ؛ فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَعْتَكِفَ فَلْيَعْتَكِفْ» . ولهذا روى ابن المنذر عن الإمام ابن شهاب الزّهريّ رحمه الله أنه كان يقول: «عجباً للمسلمين تركوا الاعتكاف، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يتركه منذ دخل المدينة حتّى قبضه الله» .

“كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل ، وأيقظ أهله ، وجَدَّ وشدَّ المئزر” رواه مسلم .

السنة النبوية في العشر الأواخر من رمضان

ومن اهم الأفعال التي كان يحرص النبي محمد على تنفيذها عند بدأ الأيام العشرة من الشهر الكريم ؛ هي اعتزال النساء فلا يقترب منهم حتى نهاية شهر رمضان كما كان يحرص “صلى الله عليه وسلم”على الصلاة طوال الليل وقراءة القرآن ، وكان دائما يحرص على ايقاظ اهل بيته لمشاركته في أمور العبادة التي كان يتفرغ لها بصورة كاملة هذه مؤكدا على فضل هذه الأيام عن غيرها من أيام شهر رمضان ، وقد ورد في هذا الامر عدة احاديث منهم :

“ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم إذا بقي من رمضان عشرة أيام يدع أحداً من أهله يطيق القيام إلا أقامه”.

وشد المئزر هو كناية عن ترك الجماع واعتزال النساء، والجد والاجتهاد في العبادة. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يداوم على الاعتكاف فيها حتى قبض، ففي “الصحيحين”عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده) .

أفعال الصحابة في العشر الأواخر من رمضان

مثلما نتبع سنة رسولنا الكريم محمد “ص”فإننا بالطبع نتبع الأفعال التي كان يقوم بها صحابة الرسول الكريم لانهم لايقومون بأي فعل من تلقاء انفسهم انما كانوا يسيرون على سنة الرسول محمد ويتبعون تعاليمه ، ولذلك وجب على كل مسلم اتباع الصحابة ومعرفة سير هؤلاء الصحابة ، ومن ضمن الأفعال التي حرص الصحابة على اتباعها هي قيام الليل واتباع الرسول في عبادته في العشر الأواخر من شهر رمضان.

فقد ورد أن ثاني الخلفاء الراشدين الصحابي الجليل سيدنا عمر بن الخطاب كان يحرص على قيام العبادات ويوقظ أهله ليلا لإتباعه فيما يفعل في الثلث الأخير من الليل ، وكان دائما ما يردد الآية الكريمة :

﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾»

الأحاديث النبوية عن ليلة القدر

يسود اعتقاد خاطئ بين الكثير من الأشخاص من المسلمين بأن وقت ليلة القدر هي ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان ، وهذا الأمر غير صحيح لذكر رسول الكريم محمد أن ليلة القدر تأتي في الأيام الوتر من العشر الأواخر من رمضان تحديداً في السبع الأواخر أي أنها يمكن أن تأتي في ليلة الثالث والعشرين أو الخامس والعشرين أو السابع والعشرين والتاسع والعشرين.

وقد ذكر العديد فقد ثبت في “الصحيحين”أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، ليلة القدر في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى) .

ففي حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أُروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر) رواه البخاري.

كما ثبت في (صحيح مسلم) عَنْ بسر بن سعيد عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ثُمَّ أُنْسِيتُهَا وَأَرَانِي صُبْحَهَا أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ» . قَالَ: «فَمُطِرْنَا لَيْلَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِينَ فَصَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَانْصَرَفَ وَإِنَّ أَثَرَ الْمَاءِ وَالطِّينِ عَلَى جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ» . قَالَ: «وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ يَقُولُ: ثَلاَثٍ وَعِشْرِينَ» . وفي الصّحيحين من حديث أبي سعيد رضي الله عنه أنّها كانت ليلة إحدى وعشرين.

ففي صحيح البخاريّ عن عبادة بن الصّامت رضي الله عنه قال: «خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِيُخْبِرَنَا بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ ، فَتَلاَحَى-أي: تنازع وتخاصم- رَجُلاَنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ: خَرَجْتُ لأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَتَلاَحَى فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ، فَرُفِعَتْ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ ، فَالْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ» .

قال صلى الله عليه وسلم -فيما رواه البخاريّ-: «الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي تَاسِعَةٍ تَبْقَى ، فِي سَابِعَةٍ تَبْقَى ، فِي خَامِسَةٍ تَبْقَى» .

فضل ليلة القدر

يعظم الأجر عن أي من اعمال الخير والعبادات المختلفة في ليلة القدر فالله عز وجل قد ذكرها في قرآنه أن ثواب هذه الليلة خير من ألف شهر خاصة ان هذه الليلة قد شهدت أول مرة في نزول الوحي على الرسول محمد .

وتكريما لهذه الليلة فإن الملائكة تنزل وترفرف بأجنحتها منذ المغرب وحتى طلوع الفجر ويؤمن المسلمون اجمعين فيها حتى طلوع الشمس ، وقد ذكر كل ذلك في صورة ليلة القدر إحدى سور القرآن الكريم كما ذكر فيها النبي حديثاً له.

“إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)”.

فقد قال صلى الله عليه وسلم عن هذا الشّهر -فيما رواه ابن أبي شيبة والنسائيّ-: «فِيهِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ؛ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ» .

علامات ليلة القدر

لم يذكر المولى عز وجل ليلة وقوع ليلة القدر تحديدا رغبة منه في إظهارها لمن يسارعون في الخيرات ومن يرغبون برؤيتها حقا إلا أنه على الرغم من ذلك ؛ فقد أوحي إلى الرسول بذكر عدة علامات تتصف بها هذه الليلة عن غيرها من باقي ليالي رمضان او حتى العشر الاواخر ، ومن ضمن هذه العلماء انها تكون ليلة معتدلة في جوها لا حارة ولا باردة كما ان الشمس تظهر في صباح هذا اليوم مضيئة وبيضاء دون اشعة ، ومن أهم علامات ليلة القدر إن السماء تكون خالية من النجوم ولا يوجد أي شيطان بها.

ثبت في (صحيح ابن خزيمة) عن ابن عبّاس رضي الله عنهما عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قوله في ليلة القدر: «لَيْلَةٌ طَلْقَةٌ-أي: سهلة طيّبة-، لاَ حَارَّةٌ وَلاَ بَارِدَةٌ» .

كما روى الطبرانيّ عن واثلة بن الأصقع رضي الله عنه عنه صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةٌ بَلَجَةٌ؛ لا حَارَّةٌ وَلا بَارِدَةٌ، وَلا يُرْمَى فِيهَا بِنَجْمٍ» .

ما ثبت في (صحيح مسلم) عنه صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «وَأَمَارَتُهَا أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِهَا بَيْضَاءَ لاَ شُعَاعَ لَهَا

اهم الاعمال في ليلة القدر

ذكرت عدة أحاديث عن احب الاعمال الى الله في ليلة القدر حيث ذُكر ان الصلاة والدعاء من احب الاعمال الى المولى عز وجل ، وذكرت السيدة عائشة أن أفضل الادعية في هذه الليلة هي الدعاء بالعفو والمغفرة ، ولقد سميت بليلة القدر لعظمها وقدرها وشرفها عن المولى عز وجل.

أمّا الصّلاةُ: فقد قال النّبيُّ صلى الله عليه وسلم -كما في الصّحيحين-: «مَنْ قَامَ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» ؛ أي: إيماناً بالله، وبما أعدّه من الثّواب للقائمين، واحتساباً للأجر الّذي يكون عنده يوم الدِّين.

وأمّا الدُّعاءُ: فقد ثبت في (سنن التّرمذيّ) عن عائشة رضي الله عنها قالت: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي» ،

وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم -كما ثبت في (صحيح مسلم)-: «اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ»، ولهذا قال سفيان الثوريُّ رحمه الله: «الدُّعاء في تلك الليلة أحبُّ إليّ من الصّلاةِ» ؛ يعني: من الصّلاة الّتي لا دعاء فيها، أو يقلُّ فيها الدُّعاء، ومن صلّى ودعا يكون قد جمع بين الحسنيين، وهذا أكمل الحالين .

أ / ايه السيد جبر

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *