تعريف الشفاعة المثبتة وشروطها

أ / سارة رزق

إن الشفاعة لمن أهم الأمور التي على المسلم الإلمام بها وبما يخصها من تفاصيل وشمائل وأنواع حتى لا يقع في خطأ عن الإطار المسموح فيتشفع فيمن غير أهل لذلك، ويضع بينه وبين الله وساطة لم يشرع الله جلّ وعلى شأنه في وضعها، لذا نوضح معنى الشفاعة المثبتة فيما ورد عن الوحي سواء من القرآن أو السنة.

تعريف الشفاعة المثبتة وشروطها

على مر القرون والسنين قد لجأ الكثير من الناس إلى توسل الشفاعة من إناس مثلهم لديهم منّ الله عليهم من درجات الصلاح والفلاح، أو من آلهتهم المبتدعة من وحي خيالهم إذا رجعنا أكثر إلى الوراء، للتوسط إلى الله، فهذه شفاعة باطلة لا تنفع أصحابها لقول الله تعالى فما تنفعهم شفاعة الشافعين “.

  • تعريف الشفاعة لغة: من التقوية في تحصيل المقصود، حيث ينضم الشافع إلى المشفوع له، فيعينه على تحقيق مطلبه.
  • الشفاعة اصطلاحًا: هي سؤال الخير للغير أو التوسط لجلب منفعة أو دفع مضرة.
  • الشفاعة يوم القيامة: هي السؤال في التخليص من موقف وأهوال يوم القيامة والسؤال عن تجاوز السيئات والذنوب والنجاة من دخول النار وتخفيف العذاب ونيل الأجر والثواب والزيادة من الله تعالى.

تعريف الشفاعة المثبتة

شروط قبول الشفاعة

إن لقبول الشفاعة 3 شروط لا بد من توافرها حتى تتحقق، وهيا تتضمن ما يلي:

أن يكون المشفوع له مسلمًا وغير كافرًا، فيقول تعالى:

 “ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَا عُ” [1]

  • فقد فسر الإمام البيهقي كلمة الظالمون أي الكافرون.

أن يرضى الله تعالى عن الشافع والمشفوع له، كما ثبت في قول الله تعالى:

وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ” [2]

أن يأذن الله تعالى بالشفاعة، حيث يقول سبحانه:

مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [3]

 اطلع على:  حقوق المساجد في الاسلام وواجبات المصلين

أنواع الشفاعة في الآخرة

إن للشفاعة بوجه عام نوعان، شفاعة في الدنيا وشفاعة في الآخرة، وفيما يلي حديثنا عن تعريف الشفاعة المثبتة وشروطها وأنواعها يندرج تحت الشفاعة في الآخرة:

أولًا: الشفاعة المثبتة

هي الشفاعة التي تكون بعد إذن الله تعالى للشافع والرضا عنه فيقول تعالى “ يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا وهي لا نصيب فيها لمشرك، والحكمة منها هي إظهار إكرام الله تعالى للشافع ورحمته للمشفوع له، كما أن لها أنواعًا عدة الأغلب فيها خاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم، وتتمثل فيما يلي:

  • الشفاعة في قوم دخلوا النار من عصاة أهل القبلة، ليخرجوا منها، وهي تكون بعد مجاوزة الصراط، وعامة للشافعين إلا النبي صلى الله عليه وسلم هي أوفر وأكبر نصيب لعله يشفع في جملتهن ثم يشفع الشفعاء بعده فيمن يخص كل منهم، حيث يشركه فيها المرسلون والأنبياء والصديقين والصالحين.
  • الشفاعة العظمى في أهل الموقف، هي شفاعة خاصة بالنبي فقط، حيث يشفع لهم كي يقضي الله بينهم ويتخلصوا من هول الموقف.
  • الشفاعة في دخول الجنة، هي شفاعة خاصة بالرسول وحده صلى الله عليه وسلم، فهو الوحيد الذي يستفتح باب الجنة فيفتح له ثم يدخل هو وأمته.
  • الشفاعة في قوم استوجبوا الله ألا يدخلوها، وهي شفاعة عامة ولسيدنا محمد النصيب الأوفر منها، وكما فهم من الأدلة تكون قبل الورود على الصراط.
  • الشفاعة في أبي طالب خاصة من الكفار، وهي من الشفاعة الخاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم، حيث يشفع في تخفيف العذاب عنه، فيخرجه من الدرك الأسفل من النار إلى ضحضاح منها، فيسير لا يجاوز كعبية يغلي منه دماغه، وهكذا يكون أهون الكفرة عذابًا، ورغم هذا لا يرى أن أحدًا أشد منه عذابًا.
  • الشفاعة في ترجيح حسنات من تعادلت حسناتهم مع سيئاتهم، وعلى الأرجح هم أهل الأعراف، وتكون بعد دخول أهل الجنة في الجنة، ودخول النار أهل النار، وهي شفاعة عامة بين النبيين والمرسلين والصديقين والشهداء والصالحين وللرسول النصيب الأكبر منها.
  • الشفاعة داخل الجنة لزيادة الثواب ورفعة الدرجات، حث يعطى للمشفوع له فوق ما يستحق وقد يرفع لدرجة الشافع فيه.

 اطلع على:  ما هو حكم صوت المرأة العالي في الاسلام

الشفاعة المنفية

هي الشفاعة لمن كان مشركًا أو كافرًا غير أبي طالب، أو الشفاعة بغير إذن الله تعالى، حيث ظن المشركين أن آلهتهم ستشفع لهم عند الله تعالى لذا لا نصيب لعامة المشركين والكفار والمنافقين في الشفاعة إلا الشفاعة العظمى، ودليل هذا فيما جاء من خطاب الله لليهود:

فيقول تعالى ”واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون” [4]

 اطلع على:  ما هي اركان الإسلام الصحيحة

أسباب لنيل الشفاعة في الآخرة

يوجد بعض الأسباب التي قد تجعل مسلمًا أولى من مسلمًا آخر لإدراك الشفاعة قبله والتجاوز عن سيئاته ودخول الجنة، ومن تلك الأسباب:

قراءة القرآن

فقد ذكرت السنة النبوية أن القرآن يأتي يوم القيامة ليشفع لأصحابه، فقد روي عن أبي أمامه الباهلي قال:

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اقْرَؤُوا الْقُرْآنَ، فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ” رواه مسلم [5]

فريضة الصيام

إن للصيام آثارًا عظيمة في جزاء المؤمن، وإحدى تلك الآثار العظيمة هي شفاعته يوم القيامة لصاحبه، فقد روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:

“ا لصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ إِنِّي مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النُّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ فيُشَفعانِ”. [6]

الشهادة في سبيل الله

إن الاستشهاد في سبيل الله ما أكرمه عملًا وفعلًا ورضًا من الله تعالى، وهو خير جزاء للشهيد ولأهله، فقد روي عن أبو داود عن أبي الدرداء عن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قال:

يُشَفَّعُ الشَّهِيدُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ . [7]

صلاة الجنازة على الميت

هي من أنبل الأعمال الطيبة التي تكون سببًا لفاعلها يوم القيامة لإدراكه الشفاعة، فقد قالت السيدة عائشة رضي الله عنها عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال:

مَا مِنْ مَيِّتٍ تُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِائَةً كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ لَهُ إِلَّا شُفِّعُوا فِيهِ . [8]

الترديد وراء الآذان والصلاة على النبي وطلب الوسيلة له

إن في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مكاسب جمّة وأجر كبير يعود على الإنسان المسلم، وفي هذا الموضع من إدراك الشفاعة روى مسلم في صحيحه عن عبدالله بن عمرو بن العاص أنه قد سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:

إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ، لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ”. [9]

قول لا إله إلا الله خالصة من القلب

فقد ثبت هذا عن أبي هريرة رضي الله عنه قلتُ يا رسولَ اللَّهِ من أسعدُ النَّاسِ بشفاعتِك يومَ القيامةِ فقال النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ لقد ظننتُ يا أبا هريرةَ أن لا يسألُني عن هذا الحديثِ أحدٌ أولى منكَ لما رأيتُ من حرصِك على الحديثِ أسعدُ النَّاسِ بشفاعتي يومَ القيامةِ من قال لا إلهَ إلَّا اللَّهُ خالصًا من نفسِهِ .

المراجع
  1. سورة غافر
  2. سورة الأنبياء
  3. آية الكرسي سورة البقرة
  4. سورة البقرة
  5. الراوي : أبو أمامة الباهلي | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم
  6. الراوي : عبدالله بن عمرو | المحدث : الألباني | المصدر : هداية الرواة | الصفحة أو الرقم : 1904 | خلاصة حكم المحدث : حسن | التخريج : أخرجه أحمد (6626)، وابن المبارك في ((الزهد)) (2/114)، والطبراني (14/72) (14672)، والحاكم (2036)، والديلمي في ((الفردوس)) (3815) باختلاف يسير.
  7. الراوي : أبو الدرداء | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع | الصفحة أو الرقم : 8093 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
  8. الراوي : عائشة وأنس بن مالك | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع | الصفحة أو الرقم : 5786 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
  9. الراوي : [عبدالله بن عمرو] | المحدث : ابن تيمية | المصدر : مجموع الفتاوى | الصفحة أو الرقم : 7/351 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه مسلم (384) باختلاف يسير.