محتوى المقال
مواضع سجود التلاوة في القرآن الكريم أحد أهم المعلومات التي يجب على المسلمين جميعاً معرفتها حتى يكونوا على دراية بها عند تلاوة القرآن سواء كان في الصلاة أو خارجها. خاصة أن سجدة التلاوة على الرغم من كونها سنة وليست واجبة, كما قال جمهور الفقهاء. إلا أن فضلها عظيم, كما أخبرنا رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم-، في سنته النبوية الشريفة، وذلك في الحديث الشريف الذي يقول:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أنه قال: «إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي، يقول: يا ويله، (وفي رواية أبي كريب: يا ويلي)، أمر ابن آدم بالسجود فسجد. فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار». وفي رواية: «…فعصيت فلي النار».
ويمكن التعرف على فضل سجود التلاوة بالتفصيل، والأحكام الخاصة بها كاملة، من “هنا”.
يوجد خلاف كبير بين أهل العلم على عدد مواضع سجود التلاوة في القرآن الكريم. فعلى الرغم من البعض قد يظن أن مواضع السجود معروفة لدى الجميع ومتفق عليها. إلا أننا نجد التباين واضح بين عدد السجدات بين رأي وآخر, ولكل منهم السند الذي يحتج به من السنة النبوية الشريفة. فنجد أن الخلاف في هذه المسألة مقسم إلى أكثر من قولين.
عن عمرو بن العاص -رضي الله عنه-، أنه قال: «أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أقرأه خمس عشرة سجدة منها: (ثلاث في المفصل، وفي سورة الحج سجدتان)». رواه أبو داود والحاكم وابن ماجه والدارقطني وحسنه المنذري. [إسناده ضعيف].
كما سبق وأن أشرنا في الفقرة السابقة، أن عدد مواضع سجود التلاوة في القرآن الكريم مختلف عليها سواء كان بين السلف أو بين أهل العلم من الفقهاء. لهذا من الصعب الإجابة على سؤال كم عدد السجدات في القرآن بالتحديد مع ذكر السور؟ في ظل الخلاف الواسع بين أهل العلم، ولكن يمكن تقسيم هذا الخلاف إلى قسمين، هما كالتالي:
أما عن مواضع سجود التلاوة المتفق عليها. فإنها متفق عليها بالإجماع بين أصحاب رسول الله -رضي الله عنهم-. بالإضافة إلى جمهور الفقهاء، وعددها كما سبق وأن وضحنا عشرة سجدات، هي كالتالي:
(إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ). [الأعراف: 206].
(وَلِلهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ). [الرعد: 15].
(وَلِلهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ* يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ). [النحل: 49-50].
(قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا* وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا* وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا). [الإسراء: 107 – 109].
(أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا). [مريم: 58].
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ). [الحج: 18].
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا). [الفرقان: 60].
(أَلَّا يَسْجُدُوا لِلهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ* اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ). [النمل: 25-26].
( إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ). [السجدة: 15].
(وَمِنْ آيَاتِهِ الليْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا* فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ). [فصلت: 37، 38].
قبل أن نوضح مواضع سجود التلاوة المختلفة عليها بالتفصيل, كما وضحنا المتفق عليها في الفقرة السابقة، يجب أن نشير إلى أنه على الرغم من أن هذه السجدات فيها خلاف واسع بين العلماء. إلا أنها ليست جميعاً في موضع واحد من الخلاف. بل أن لكلِِ منهما الدليل الخاص بها، إما بوضعها ضمن سجدات التلاوة في التنزيل الحكيم أو إخراجها.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). [الحج: 77].
(وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ). [ص: 24]
(فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا). [النجم: 62].
(فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ* وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ). [الانشقاق: 20-21].
(كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ). [العلق: 19].
جاء الاختلاف في مواضع السجود في القرآن عند المالكية، في السجدات التي يوجد عليها خلاف بالفعل بين السلف والعلماء، حيث لم يرى أصحاب هذا المذهب السجدة الثانية في سورة الحج أو السجدات المتواجدة في سور المفصل: [النجم، الانشقاق، العلق]، وقد استند الإمام مالك -رحمه الله-، في رأيه هذا على بعض الأحاديث الواردة في الأثر عن بعض الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين-. بالإضافة إلى تفسير الآية التي يوجد بها السجدة الثانية في سورة الحج.
روى مسلم عن زيد بن ثابت -رضي الله عنه-، أنه قال: «أنه أخبره أنه سأل زيد بن ثابت عن القراءة مع الإمام، فقال: لا، قراءة مع الإمام في شيء، وزعم أنه قرأ على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- [والنجم إذا هوى]، فلم يسجد». (صحيح مسلم: 577).
عن عبدالله بن العباس -رضي الله عنهما-، أنه قال: «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة». [إسناده ضعيف].
المقصود من قوله تعالى:(يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون). في سورة الحج؟ الصلاة المفروضة، والدليل على ذلك الربط بين الركوع والسجود معاً، وسجدة التلاوة هي سجدة منفصلة وليس لها ركوع، وقد اتفق مع هذا الرأي الإمام أبو حنيفة -رحمه الله-).
هذا المذهب قد ضعفه النووي -رحمه الله-، ورد بالدليل من السنة على؟ ما استند عليه الإمام مالك -رحمه الله في مذهبه. هذا ويمكن التعرف على رأي النووي كاملاً في الرد على مواضع السجود في القرآن عند المالكية، من “هنا”.
اتفق عدد كبير من أهل العلم على السجدة الثانية من سورة الحج، واستندوا على أكثر من دليل قد جاء في كلِِ من السنة النبوية الشريفة والآثار، منهم:
عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه-، قال: « قلت يا رسول الله! فضلت سورة الحج بأن فيها سجدتين، قال: نعم، ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما».
عن عبد الله بن ثعلبة قال: «صليت مع عمر -رضي الله عنه- الصبح. فقرأ فيها “الحج”، فسجد فيها سجدتين، قلت: الصبح؟ قال: الصبح».
عن نافع المولي ابن عمر -رضي الله عنهما-، أنه قال: «أنه وأباه عمر كانا يسجدان في الحج سجدتين، وقال ابن عمر : لو سجدت فيها واحدة لكانت السجدة في الآخرة أحب إلي»
وعن جبير بن نفير، قال: «أن أبا الدرداء سجد في “الحج” سجدتين».
عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، قال : «فضلت سورة الحج على القرآن بسجدتين».
وقد اتفق مع أصحاب هذا الرأي عدد كبير من أهل العلم منهم: (الشافعية، الحنابلة، ابن وهب من المالكية، ابن تيمية، ابن المنذر، ابن عثيمين).
قال عدد كبير من العلماء، ومنهم بعض من أصحاب المذاهب الأربعة أنه يوجد سجود التلاوة في سورة (ص)، في قوله تعالى: (وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ)، وجاء هؤلاء ببعض الأدلة الواردة في كلِِ من السنة والآثار عن صحابة رسول الله -رضي الله عنهم أجمعين-.
عن العوام بن حوشب، قال: «سألت مجاهدا عن سجدة (ص). فقال: سألت ابن عباس -رضي الله عنه-: من أين سجدت في (ص)؟ فقال: أو ما تقرأ: (ومن ذريته داوود وسليمان) [الأنعام: 84] إلى (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) [الأنعام: 90]. فكان داود ممن أمر نبيكم -صلى الله عليه وسلم- أن يقتدي به، فسجدها داود. فسجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم».
عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، قال: «ليس (ص) من عزائم السجود، ورأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسجد فيها».
أما عن هؤلاء ممن اتفقوا مع وضع الآية رقم 24 من سور (ص)، ضمن مواضع سجود التلاوة. فنجد أن منهم: أصحاب المذهب الحنفي. هذا بالإضافة إلى بعض من المالكية والشافعية، ورواية عن الإمام أحمد -رحمه الله-. بجانب ابن المنذر وابن حزم وابن باز وابن عثيمين -رحمهم الله جميعاً-.
على الرغم من وجود خلاف حول مواضع السجود في سور المفصل: [النجم، الانشقاق، العلق]. إلا أن معظم الأئمة الأربعة قد وضعوها ضمن سجدات التلاوة عدا أصحاب المذهب المالكي, كما سبق وأن وضحنا، وعلى الرغم من ذلك، توجد رواية عن الإمام مالك -رحمه الله-، تتفق مع هذا الرأي. أما عن حجة هؤلاء التي استندوا عليها في رأيهم هذا. فقد أكدوا بالأدلة التي وردت في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهي كالتالي:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: «سجدنا مع النبي-صلى الله عليه وسلم-. في (إذا السماء انشقت). [الانشقاق: 1]، و(اقرأ باسم ربك). [العلق: 1]» .
عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-، قال: «أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم؛ فسجد فيها، وما بقي أحد من القوم إلا سجد».
بناء على ما قدمناه في هذا التقرير. فإنه يتضح أن هناك عشرة مواضع تخص سجود التلاوة. متفق عليها بين السلف الصالح وأهل العلم. بينما يتواجد الخلاف حول خمس مواضع من مواضع سجدة التلاوة، وعليه يكون عدد السجدات في القرآن الكريم إجمالاً، خمسة عشر موضعاً.
جيد
انا مش لانا
شكرا لحضرتك على ثقتك في موقع محتوي