من كان مندوب قريش في صلح الحديبية ؟

ماريهان أحمد

تعتبر قصة صُلح الحديبية جزء من منهج الصف الأول الإعدادي في الفصل الدراسي الثاني لمادة التربية الإسلامية، ونجد أن سؤال من هو مندوب قريش في صلح الحديبية من أشهر الأسئلة التي قد يغفل عنها بعض الطلاب، لذا فهو سُهيل بن عمرو.

اسمه كاملًا هو سُهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر القرشي العامري ، وكنيته هي أبي يزيد، يُعد واحدًا من أشراف قريش وأكثرهم فصاحةً.

لكن قبل أن يدخل الإسلام كان واحدًا من أكثر المقاتلين شدة، وهو السبب وراء اختيار قريش له حتى يكون مندوب لهم لعقد صلح الحديبية مع المسلمين، حتى دخل الإسلام يوم الفتح الذي بُشِّر به النبي وهو يسير ليلًا مع عمر بن الخطاب، حيث روى قائلًا:

مندوب قريش في صلح الحديبية

“أنَّ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يَسِيرُ في بَعْضِ أسْفَارِهِ، وعُمَرُ بنُ الخَطَّابِ يَسِيرُ معهُ لَيْلًا، فَسَأَلَهُ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ عن شَيءٍ فَلَمْ يُجِبْهُ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ، وقَالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يا عُمَرُ! نَزَرْتَ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، كُلُّ ذلكَ لا يُجِيبُكَ.. [1]

قَالَ عُمَرُ: فَحَرَّكْتُ بَعِيرِي ثُمَّ تَقَدَّمْتُ أمَامَ المُسْلِمِينَ، وخَشِيتُ أنْ يَنْزِلَ فِيَّ قُرْآنٌ، فَما نَشِبْتُ أنْ سَمِعْتُ صَارِخًا يَصْرُخُ بي، قَالَ: فَقُلتُ: لقَدْ خَشِيتُ أنْ يَكونَ نَزَلَ فِيَّ قُرْآنٌ، وجِئْتُ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَسَلَّمْتُ عليه، فَقَالَ: لقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ، لَهي أحَبُّ إلَيَّ ممَّا طَلَعَتْ عليه الشَّمْسُ، ثُمَّ قَرَأَ:{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا}”صحيح البخاري.

بعد أن تمكنّ النبي من فتح مكة وسأل المشركين عن ظنهم فيما سيفعله بهم، فرد سهيل عليه قائلًا: “أخ كريم وابن أخ كريم”، فأطلق الرسول سراحهم جميعًا ومنذ هذا اليوم وسُهيل مسلمًا.

لا يفوتك أيضًا: ما هو الاسم الذي انكره كفار قريش

قصة صُلح الحديبية

مندوب قريش في صلح الحديبية

تبدأ قصة صُلح الحديبية عندما رغب الرسول في الذهاب إلى مكة المكرمة لزيارة بيت الله الحرام وأداء العُمرة، وقد حمل سلاح السفر هو ومن معه من المهاجرين والأنصار.

فخشي أن يظن كفار قريش أنه قد أتى بهدف مقاتلتهم، لذا لبس ملابس الإحرام وجعل كل من معه يلبسونها حتى يؤكدون لأفراد قريش أنهم لا يريدون سوى أداء العمرة.

حينما وصل الرسول ومن معه إلى عسفان قابل بشر بن سفيان الكعبي، فأخبره أن قريش قد استعدت لقتاله ومنعه من الدخول إلى مدينة بيت الله الحرام، في هذا الوقت شعر النبي بالغضب الشديد لأنه لم ينوي أبدًا القتال، ورغم ذلك أصر على مواصلة السير في طريقُه.

لكنه كان حريصًا على السير في طريق آخر غير الذي جهزه المشركون للقتال، وعندما وقفت ناقته في مكان معين علم أنها إشارة من الله عز وجل وأنها وقفت بأمر منه، فنزل هو ومن معه من المسلمين عند هذا المكان.

ثم أرسل النبي خراش بن أمية الخزاعي إلى قريش ليمنحهم خبرًا أنه لم يأتي للحرب وإنما لأداء العمرة، لكنهم لم يسمعوا له وقتلوا بعيره وكادوا يقتلونه إلا أن الأحباش قد منعوهم.

ثم أرسلوا خمسة عشر مُقاتل إلى المكان الذي نزل به المسلمين لمقاتلتهم، لكن قائد جيش المسلمين قد تمكنّ من أسرهم جميعًا وأرسلهم إلى النبي، فأطلق سراحهم، وهو تحديدًا ما أكد لقريش أن المسلمين لا يريدون القتال، وحينها أرسلوا سُهيل بن عمرو وهو مندوب قريش في صُلح الحديبية مع المسلمين.

بالرغم من أن شروط المُعاهدة كان فيها شيء من الذل والظُلم للمسلمين، إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم وافق عليها، لكن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لفت نظر النبي إلى ذلك، وقد جاء قوله مرويّ عن سهل بن حنيف، حيث قال:

“يا رَسولَ اللَّهِ، أَلَسْنَا علَى الحَقِّ وهُمْ علَى البَاطِلِ؟ فَقالَ: بَلَى. فَقالَ: أَليسَ قَتْلَانَا في الجَنَّةِ وقَتْلَاهُمْ في النَّارِ؟ قالَ: بَلَى، قالَ: فَعَلَامَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ في دِينِنَا، أَنَرْجِعُ ولَمَّا يَحْكُمِ اللَّهُ بيْنَنَا وبيْنَهُمْ؟ فَقالَ: يا ابْنَ الخَطَّابِ، إنِّي رَسولُ اللَّهِ، ولَنْ يُضَيِّعَنِي اللَّهُ أَبَدًا، فَانْطَلَقَ عُمَرُ إلى أَبِي بَكْرٍ فَقالَ له مِثْلَ ما قالَ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: إنَّه رَسولُ اللَّهِ، ولَنْ يُضَيِّعَهُ اللَّهُ أَبَدًا، فَنَزَلَتْ سُورَةُ الفَتْحِ فَقَرَأَهَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علَى عُمَرَ إلى آخِرِهَا، فَقالَ عُمَرُ: يا رَسولَ اللَّهِ، أَوَفَتْحٌ هُوَ؟ قالَ: نَعَمْ”صحيح البخاري.

لذا فإن الهم والضيق الذي أصاب المسلمين أثناء عودتهم إلى المدينة المنورة بعد عقد اتفاقية صُلح الحديبية قد تحوّل إلى فرح وسرور، حيث أنزل الله على نبيه سورة الفتح، وعلموا جميعهم أن التسليم لأمر الله هو الصواب لهم ولدعوة الإسلام بشكل عام.

لا يفوتك أيضًا:  قصة هجرة الرسول من مكة الى المدينة

شروط معاهدة صلح الحديبية

تم إرسال مندوب قريش في صلح الحديبية إلى المسلمين وهو سُهيل بن عمرو، وبعدها توصلوا إلى بعض الشروط التي يجب الالتزام بها من قِبل الطرفين، والتي تمثلت فيما يلي:

  • استمرار معاهدة الصلح دون الحروب بين الطرفين لمدة 10 سنين.
  • عدم اعتداء أي من الطرفين على قبائل الآخر مهما كانت الأسباب التي قد تدفع لذلك.
  • منحت المُعاهدة حق حُرية كل شخص في الدخول إلى العهد الذي يرغب في الانضمام إليه، فمن رغب في دخول عهد محمد صلى الله عليه وسلم دخل فيه، ومن رغب في دخول عهد قريش دخل فيه، لذا دخل بنو خزاعة في العهد مع المسلمين، ودخل بنو بكر في العهد مع قريش.
  • أن يعود المسلمون هذا العام إلى منازلهم دون تأدية العمرة لكن يعودوا إلى مكة العام القادم ليؤدوها، بشرط ألا يكون معهم أي أسلحة غير السيف .
  • إذا جاء شخص ينتمي إلى قبيلة قريش للرسول صلى الله عليه وسلم دون علم ولي أمرُه فعلى الرسول أن يرده إليه، أما من أتى قريش من المسلمين يجب ألا يردوه مهما كانت الأسباب.

نقض صُلح الحديبية

بعد التعرف على ماهية مندوب قريش في صلح الحديبية وتفاصيل الاتفاقية جدير بالذكر أن قبيلة قريش قد نقضت المعاهدة مع المسلمين، وذلك حينما عقدوا اتفاقية مع بني بكر على قتال بني خزاعة الذين كانوا أعدائهم في وقتٍ سابق، فاستغل بنو بكر اهتمام المسلمين بنشر الدعوة وانشغالهم بالأمر وهاجموا بئر بني خزاعة في وقت الليل ليقتلوا 23 فرد منهم.

بذلك كانت قبيلة قريش هي المُنافية لشروط المعاهدة، والتي كانت تنص على عدم مقاتلة أي من الطرفين الآخر، لذا بعد ذلك أرادوا تصحيح ما قاموا به فأرسلوا أبا سفيان إلى الرسول لتجديد معاهدة الصُلح ومد فترته لكنه رفض.

لكن أبو سفيان صمم على موقفه فذهب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وطلب منه أن يتحدث إلى الرسول ويجعله يوافق على طلبه، لكنه رفض ذلك، وكذلك رفض الأمر أبو بكر وعثمان بن عفان.

فذهب أبو سفيان متمسكًا بأمل موافقة الرسول على تجديد الصُلح إلى ابنته فاطمة رضي الله عنها، وطلب منها أن تتحدث معه لتقنعه بالأمر.

لكنها رفضت هي الأخرى بحجة أنها امرأة وليس لها دخل في تلك الأمور، وعندما اقترح عليها أن تطلب ذلك من أبنائها ليتحدثوا مع النبي رفضت أيضًا وقالت إنهم صبية صغار لا شأن لهم بذلك.

لذا بعد أن فشلت كافة محاولات أبو سفيان في تجديد الصُلح عاد إلى قريش وأخبرهم بذلك، وفي هذا الحين كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطط لفتح مكة في السر، تجنبًا لعلم أي من المشركين بذلك، وبالتالي سيفسدون عليه تخطيطه.

لا يفوتك أيضًا:  كم كان عمر الرسول عندما توفيت أمه

نتائج عقد صُلح الحديبية

بعد إرسال مندوب قريش في صلح الحديبية إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعقد الاتفاقية، نجد أن فخر قريش بكفرهم وعزتهم بذلك قد تحولت إلى ذُل، حيث تخلت قريش بعد مدة عن شروطها القاسية التي وضعتها في الصلح، وعادت الاتفاقية بالعديد من النتائج الإيجابية على المسلمين، والتي من أبرزها:

  • معرفة المشركين بقوة وعزة الدين الإسلامي.
  • إقرار كفار قريش بوجود الدولة الإسلامية، واتضح ذلك عندما وقّعت على المعاهدة، فتأثرت القبائل التابعة لقريش بذلك كثيرًا.
  • خفض نسبة الكِبر والنفاق التي كان يتصف بها أفراد قريش.
  • استغلال النبي فترة المعاهدة من خلال إرسال رسائل الدعوة للدخول في الدين الإسلامي إلى ملوك القِبط والروم والفُرس.
  • كان الصُلح بمثابة التمهيد لنشر دعوة الإسلام خارج الجزيرة العربية، فكان يجهز النبي لغزوة مؤقتة في هذا الوقت.
  • تأكد قريش وحلفائهم أن رغبة المسلمين تتمثل في الاعتمار لا الحروب والاعتداء، وهو الغرض من قبولهم المفاوضات والشروط.
  • قدرة المسلمين على الانشغال باليهود بذهن صافي بعد ضمان جانب كفار قريش، لذلك قاموا بغزوة خيبر بعد معاهدة الصُلح.
  • انتشار الدعوة بين مسامع الكثير من الأفراد، مما أدى إلى اعتناق الكثيرين الدين الإسلامي.
  • فتح مدينة مكة المكرمة المعروف باسم الفتح المبين، وهو أحد أعظم نتائج معاهدة صُلح الحديبية.

يعتبر صلح الحديبية من أشهر الاتفاقيات التي حرص الرسول على الالتزام بها، ونجحت وفقًا للشروط الموضوعة بين كلٍ من الطرفين لفترة من الوقت إلى أن تم نقضها من قِبل كفار قريش.

المراجع
  1. الراوي : أسلم مولى عمر بن الخطاب | المحدث : الوادعي | المصدر : الإلزامات والتتبع | الصفحة أو الرقم : 266 | خلاصة حكم المحدث : الظاهر صحة الوصل والإرسال عن مالك والوصل زيادة من جماعة يجب قبولها لعدم المانع