تجربتي مع الدعاء المستحيل واستجابة الدعاء

أ / عمرو عيسى

شرع الله عز وجل لعباده الدعاء، ووعدهم بالإجابة ما دام العبد يدعو ربه وكله يقين، كما أخبر العلماء بكافة الضوابط والآداب التي لا بد على العبد مراعاتها حين التضرع إلى الله عز وجل بالدعاء، والتي لا ينبغي أن يغفل عنها أحد.

تجربتي مع الدعاء المستحيل وأثره

تجربتي مع الدعاء المستحيل

 

 

 

 

 

 

 

 

كنت أرغب بشدة الزواج من شخص معين، وكان الأمر أشبه بالمستحيل، إذ حالت بيننا الدنيا بأسرها، حاولت بطرق عدة تحقيق أمنيتي الوحيدة إلا أن كافة محاولاتي باءت بالفشل، حتى أنني كنت أتهاون وقصرت كثيرًا في العبادات بسبب انشغالي بهذا الأمر.

إلى أن سمعت أحد الشيوخ يروي حديثًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ قال:

“إنك لن تدَعَ شيئًا اتَّقاءَ اللهِ إلا آتاك اللهُ خيرًا منه”. [1]

فتركته لله، رغم شدة حاجتي إليه ومدى تعلقت به ، حينها انصرفت عن كل ما يشغلني وتقربت إلى الله عز وجل، وسألته أن يصرف قلبي عمن سواه.. ثم سمعت قول الله عز وجل: “وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ”. [2]

حينها شعرت بمدى قرب الله عز وجل، وبدأت تجربتي مع الدعاء المستحيل، إذ أقبلتُ على الله طاهرة، واستقبلت القبلة، ودعوته بكل ما يجول في قلبي، وكلي يقين أنه سيجبرني.

سألته أن يقدر لي الخير وأن يُرضني به، وأن يرزقني الزواج ممن رضي له قلبي وعقلي.

كانت دعوتي الثابتة في كل صلاة، إلى أن أقبل قلبي على الله -عز وجل- وانشغلت به عن هذا الأمر، حينها رأيت عوض الله وجبره لقلبي، إذ تقدم لخطبتي ذات الشخص الذي رغبت به، وتحققت دعوتي بعد أن أجمع الناس على استحالة جمعنا، ورأيت أثر الدعاء المستحيل.

لا يفوتك أيضًا:  تجربتي مع اسم الله الأعظم والدعاء باسم الله

حكم الدعاء بالمستحيل

أخبرتني إحدى أصدقائي بأنه لا يجوز لي أن أدعو الله بأمور مستحيلة، وأن دعائي بأن يجعل الله فلان زوجًا لي سوء أدب مع الله عز وجل، لذا سألت شيخي، والذي طمأنني حول هذا الأمر.

إذ إن الأصل أن العبد يُمنع من الدعاء بالأمور التي يستحيل وقوعها في العادة، وبعض العلماء قال بتحريم الدعاء بالمستحيل، لأن ذلك فيه سوء أدب مع الله وجرأة، ويستثنى من ذلك صنوف ثلاثة: الأنبياء، والأولياء، وغير الأولياء إن كان دعاؤهم على سبيل طلب الولاية.

فيحرم على المرء أن يسأل الله العافية أبدًا، أو نزول معجزةً ما، أو يسأله التوفيق في أمر محرم، ونحوها من أمور.

أما الأمور الدنيوية الصعبة مثل الابتلاءات، بما ليس من المستحيلات فإن الدعاء بها جائزًا، إذ إنها من مزيد اليقين بالله عز وجل، حتى لو غلب على الظن عدم حصولها.

قال ابن القيم: ”الاعتداء في الدعاء هو كل سؤال يناقض حكمة الله، ويتضمن مناقضة شرعه وأمره، أو يتضمن خلاف ما أخبر به، فهو اعتداء لا يحبه الله، ولا يحب سائله.”

بينما يقول شيخ الإسلام بن تيمية:”الاعتداء في الدعاء: تارة بأن يسأل ما لا يجوز له سؤاله من المعونة على المحرمات، وتارة يسأل ما لا يفعله الله، مثل: أن يسأل تخليده إلى يوم القيامة، أو يسأله أن يرفع عنه لوازم البشرية: من الحاجة إلى الطعام والشراب…ونحو ذلك مما سؤاله اعتداء لا يحبه الله، ولا يحب سائله.”

لا يفوتك أيضًا:  قصتي مع الدعاء يوم عرفة المبارك كاملة تجربتي مع يوم عرفة

أثر الدعاء في حياة العبد

كانت تجربتي مع الدعاء المستحيل من أنفع التجارب وأحبها إلى قلبي، ليس لأن دعائي كان مستجابًا فحسب، بل لأنني لامست فضل وثمرة الدعاء في كافة أموري، وصِرت مُقبلة على الله عز وجل بكامل جوارحي.

فلم أكن أعلم بمدى الفائدة التي تعود عليّ إثر الدعاء، ولم ألق خيرًا إلا بعد حرصي عليه، إذ إن للدعاء ثمارً كثيرة تتحقق من خلاله.

1- الدعاء عبادة

علاوة على أن الله -عز وجل- يستجيب دعاء العبد، فإنه كذلك يجازيه على الدعاء والتضرع إليه سبحانه.

فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث: “الدُّعاءُ هوَ العبادةُ ثمَّ قالَ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ”. الراوي: النعمان بن بشير | المحدث: الألباني | المصدر: صحيح الترمذي –الصفحة أو الرقم: 3247 | خلاصة حكم المحدث: صحيح.

كما أنه من العبادات التي تقرب العبد وربه، ذلك أنه ينبغي على العبد أن يتقرب إلى الله بأمور يحبها، وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه يقول: “ليسَ شيءٌ أكرمَ علَى اللهِ من الدُّعاءِ”.الراوي: أبو هريرة | المحدث: الالباني | المصدر: صحيح الترغيب | الصفحة أو الرقم: 1629 | خلاصة حكم المحدث: حسن.

2- الدعاء يرفع البلاء

الدعاء سبيل نجاة العبد في الدنيا والآخرة، وله من الفضائل والفوائد ما يغفل عنها الكثير، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث: لا يردُّ القضاءَ إلَّا الدُّعاءُ”. [3]

3- سبب انشراح الصدر

الدعاء دواء لكل داء، وسبب في راحة القلب، وزوال الهموم والغموم من الصدور.

4- الدعاء سبب للنصر والثبات

وخير مثال على ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وصحابيته، غذ كانوا في الغزوات يتضرعون على الله عز وجل بالدعاء، ومن ذلك قول الله عز وجل:

“وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ” [4]

فتحقق لهم النصر والهزيمة بفضل الدعاء، إذ قال الله تعالى: ”فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ …” [5]

5- الدعاء سلاح المظلومين

كانت من أهم الوصايا التي أوصى بها الرسول -صلى الله عليه وسلم- معاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: أن رسولَ اللَّهِ وسلَّمَ بعَثَ معاذَ بنَ جَبلٍ إلى اليمَنِ، فقالَ اتَّقِ دَعوةَ المظلومِ؛ فإنَّهُ ليسَ بينَها وبينَ اللَّهِ حجابٌ”.

[6]

لا يفوتك أيضًا:  دعاء ربي إني مغلوب فانتصر وتجربتي مع الدعاء

أقسام الدعاء

تجربتي مع الدعاء المستحيل

لما كان للدعاء أثرًا طيبًا في نفسي أحببت أن أعلم كل الأمور التي تتعلق به، وخلال بحثي عن فضل الدعاء وأثره، علمت بأن للدعاء صنوف عدة.

1- دعاء العبادة

هو الدعاء الذي يشمل كافة القربات، والذي يدعو به العبد تقربًا على الله تعالى، يقول العلماء: دعاء العبادة هو الذي يشمل جميع القُربات سواء كانت ظاهرة أم باطنة.

2- دعاء المسألة

هو الدعاء الذي يكون غرض السائل منه طلب مسألة أو حاجة دنيوية من الله عز وجل، كأن يرزقه بأمرٍ ما، أو يفرج عنه مصيبة، ونحوها.

يُعرِّفه العلماء بأنه: ”أن يطلب الداعي ما ينفعه وما يكشف ضره.”

فمن رحمة الله -عز وجل- أنه يجازي العبد على الدعاء بنوعيه، سواء كان دعائه لمسألة وحاجة، أو كان تقربًا إلى الله.

يقول الشيخ السعدي رحمه الله في ذلك: ”كل ما ورد في القرآن من الأمر بالدعاء والنهي عن دعاء غير الله والثناء على الداعين يتناول دعاء المسألة ودعاء العبادة”إلا أنه كلًا من الصنفان ملازم للآخر، فلا ينفك أحدهما أو ينفصل عن الآخر.

إن أعظم ما في الدعاء أن العبد يناجي الله عز وجل بدون حجاب أو واسطة، يشعر بقربه، ويخبره بسره، دون خوف أو قلق، ويعلم أن جبره آتٍ، ورزْقه كبير.

المراجع
  1. المحدث : ابن عثيمين | المصدر : مجموع فتاوى ابن عثيمين | الصفحة أو الرقم : 263/20 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
  2. ( البقرة: 186)
  3. الراوي: سلمان الفارسي | المحدث: الألباني | المصدر: صحيح الترمذي –الصفحة أو الرقم: 2139 | خلاصة حكم المحدث: حسن.
  4. ( البقرة: 250)
  5. ( البقرة: 251)
  6. الراوي: عبد الله بن عباس | المحدث: الألباني | المصدر: صحيح الترمذي | الصفحة أو الرقم: 2014 | خلاصة حكم المحدث: صحيح.