تجربتي مع الدعاء وقت السفر

أ / عمرو عيسى

إن الدعاء من أفضل العبادات وأيسرها، رغم سهولتها فإن الله -عز وجل- يثيب العبد على التضرع إليه والتذلل بالدعاء، لذا لا بد أن يتحرى العبد أوقات إجابة الدعاء، فإنها أدعى للإجابة عن غيرها من الأوقات، وأوقات استجابة الدعاء كثيرة.

تجربتي مع الدعاء وقت السفر

دائمًا ما كنت أحرص على تحري أوقات الإجابة، من أجل التضرع إلى الله -عز وجل- بالدعاء فيها، وكلّي يقين أن الله يستجيب دعائي، فكنت أدعو حال المطر، وبين الأذان والإقامة ، وعند الفطر بعد الصيام، وغيرها من الأوقات.

إلى أن سمعت أحد الشيوخ يتحدث عنه دعوة المسافر، وكون السفر من الأوقات التي يجيب الله فيها الدعاء، ولأنني كثيرة السفر والترحال، لازمت الدعاء حال السفر،  فكنت أدعو وفي قلبي يقين بالإجابة، وكان لدعائي حال السفر أثر عظيم.

تجربتي مع الدعاء وقت السفر

لا يفوتك أيضًا:  دعاء السفر للمسافر بالسيارة أو بالطائرة

دعاء المسافر مستجاب

بعد سماعي لهذا الشيخ أردت أن أثبت من هذا القول بالأدلة الشرعية، فوجدت حديثًا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتحدث عن ذلك، فيما رواه عنه أبو هريرة -رضي الله عنه-:

”ثلاثُ دعواتٍ مستجاباتٌ لا شَكَّ فيهِنَّ؛ دَعوةُ المظلومِ، ودعوةُ المسافرِ، ودعوةُ الوالدِ على ولدِهِ.”

[1]

فقد أخبر النبي في هذا الحديث عن ثلاث دعوات لا ترد، ذكر منها دعوة المسافر، وبيّن أن هذا الأمر مشروط بكون العبد حال السفر ولم يرجع بعد، فإنه إن دعا كانت دعوته لا ترد أبدًا، كما أنه من شروط استجابة دعاء المسافر كون سفره ليس في أمر محرم.

لا يفوتك أيضًا:  دعاء السفر استودعكم الله كامل

الحكمة من إجابة دعاء المسافر

كنت أرغب في العلم عن سبب استجابة دعاء المسافر، والحكمة من ذلك، وبعد مزيد من البحث بين أقوال العلماء تبيّن لي الحكمة من استجابة دعاء المسافر.

  • أن المسافر حال السفر يكون متفرغ القلب، قريبًا من الله عز وجل، لا ينشغل بالدنيا كما ينشغل في القرى والمدن.
  • أنه في الغالب يدعو الله عز وجل ويتضرع إليه مضطرًا، مفتقرًا إليه، لأنه على سفر، لاسيما إن كان سفر خوف وقلق، وليس سفرًا عاديًا.

من ثم فإن من كان حاله هكذا، فإن إقباله على الله يكون أكبر، وإيمانه به أشد، وافتقاره إليه أصدق، لذا كان دعاؤه مستجابًا.

كما أنه معلوم أن السفر في طاعة يكون أحرى بالإجابة من غيره، وبالرغم من ذلك فإن عموم الأدلة تبيّن استجابة دعاء المسافر بشكل عام، سواء كان هذا السفر في طاعة أم لا.

يقول العلماء : ”السفر كله مظنة لحصول انكسار النفس وتحمل المشاق”ولعل هذا السر وراء كون الدعاء به مستجابًا.

كما أن السفر كلما طال كان استجابة الدعاء أتم وأبلغ من غيره، فقد قال في ذلك ابن رجب: ”ومتى طال السفر كان أقرب إلى إجابة الدعاء لأنه مظنة حصول انكسار النفس بطول الغربة عن الأوطان، وتحمل المشاق والانكسار من أعظم أسباب إجابة الدعاء”.

شروط استجابة الدعاء

كنت أُواظب على الدعاء كلما سافرت، وخلال تجربتي مع الدعاء وقت السفر يمكنني القول إنني قد لامست استجابة كثير من الأدعية التي دعوت بها حال سفري، إلا أنه يجب على العبد ألا يغفل عن شروط استجابة الدعاء بشكل عام.

  • حضور القلب : ذلك أن الله -عز وجل- لا يقبل الدعاء من قلب غافل لاهٍ، لا يستشعر عظمة من يدعو، ولذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ”إني لا أحمل هم الإجابة ولكن أحمل هم الدعاء”.
  • التوبة والطهارة : فإن التوبة واحدة من أهم الأمور التي تعين على استجابة دعاء العبد، ذلك أن الحسن قد سُئل: ”ما لنا ندعو الله فلا يستجيب لنا؟ فقال: “دعاكم فلم تستجيبوا له “.
  • التضرع والانكسار، والافتقار إلى الله عز وجل.
  • عدم الاستعجال : فلا يتعجل في الدعاء، ولا يتعجل كذلك في الإجابة، ويستدل على ذلك من السنة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:

”يُسْتَجابُ لأحَدِكُمْ ما لَمْ يَعْجَلْ، يقولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي.” [2]

  • العزم في الدعاء: وهذا ما أوصى به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويستدل على ذلك بحديث النبي الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال:

”لا يقولُ أحدُكم اللَّهمَّ اغفِر لي إن شِئت اللَّهمَّ ارحَمني إن شِئت ليعزِم المسألةَ فإنَّه لا مُكرِه لهُ”. [3]

  • ألا يدعو بشرّ: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:

”ما من مسلمٍ يدعو بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ، ولا قطيعةُ رَحِمٍ؛ إلا أعطاه بها إحدى ثلاثَ: إما أن يُعجِّلَ له دعوتَه، وإما أن يدَّخِرَها له في الآخرةِ، وإما أن يَصرِف عنه من السُّوءِ مثلَها”. [4]

  • أن يطلب بدعائه الحلال: بمعنى ألا يدعو العبد بشيء حرام، ذلك مأخوذ من قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف:

”يا أيُّها النَّاسُ إنَّ اللَّهَ طيِّبٌ لا يقبلُ إلَّا طيِّبًا”. [5]

لا يفوتك أيضًا:  تجربتي مع اسم الله الأعظم والدعاء باسم الله

آداب الدعاء

تجربتي مع الدعاء وقت السفر

حتى يستجيب الله دعاء العبد لا بد أن يتأدب العبد مع الله في الدعاء، وخلال حضوري الدروس الدينية سمعت المحاضر يقول آداب الدعاء التي كنت أجهلها، وتبين أنني كنت كثيرة الخطأ في الدعاء، ما فسّر عدم استجابة الله لدعائي في السابق.

  • استقبال القبلة، ورفع العبد يديه خلال الدعاء.
  • تحري العبد أوقات الإجابة، كأيام الجمعة، والثلث الأخير من الليل، وقبل الإفطار للصائم، وحال السفر، وغيرها.
  • أن يبدأ العبد الدعاء ويختمه بالحمد والثناء على الله عز وجل، هذه كانت صفة رسول الله، كما أن أبو سليمان الداراني -رحمه الله- كان يقول: ”من أراد أن يسأل الله حاجة فليبدأ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يسأله حاجته، ثم يختم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم…”
  • عدم التكلف في الدعاء: كحفظ الصيغ والعبارات التي يدعو بها أو الإطالة في الدعاء، بل يكفي استحضار القلب، والدعاء بما يريد مع التأدب مع الله عز وجل في الدعاء، ويفضل الأخذ بالأدعية المأثورة من كتاب الله عز وجل أو سنة رسوله.

من خلال علمي بتلك الأمور، تغير حالي مع الدعاء، وتغيرت نظرتي للأفضل، وأكاد لا أدعو الله عز وجل بشيء إلا استجاب سبحانه وتعالى، فالحمد لله أن لنا ربًا سميعًا بصيرًا مجيب الدعوات.

يجب على العبد عند الدعاء أن يحرص على خفض الصوت، فالله قريب من عباده مستجيب لهم، فلا داع لرفع الصوت في الدعاء، فإنك لا تدع أصمًا ولا غائبًا، بل سميعًا قريبًا.

المراجع
  1. الراوي: أبو هريرة | المحدث: الألباني | المصدر: صحيح الترمذي الصفحة أو الرقم: 1905 | خلاصة حكم المحدث: حسن.
  2. الراوي: أبو هريرة | المحدث: البخاري | المصدر: صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم: 6340 | خلاصة حكم المحدث: [صحيح].
  3. الراوي: أبو هريرة | المحدث: الألباني | المصدر: صحيح الترمذي | الصفحة أو الرقم: 3497 | خلاصة حكم المحدث: صحيح.
  4. الراوي: أبو سعيد الخدري | المحدث: الألباني | المصدر: صحيح الترغيب | الصفحة أو الرقم: 1633 | خلاصة حكم المحدث: حسن صحيح.
  5. الراوي: أبو هريرة | المحدث: الألباني | المصدر: صحيح الترمذي | الصفحة أو الرقم: 2989 | خلاصة حكم المحدث: حسن.