هل الحضارة الإسلامية هي إرث تشاركت فيه جميع الشعوب ؟

أ / عمرو عيسى

الحضارات الإنسانية هي إرث لكل البشرية وليست مقصورة على أهل الحضارة، ولعل المسلمين وقتما كانوا في أوج عطائهم وازدهارهم كانوا أسياد العالم في مختلف العلوم، فما أثر ذلك على العالم؟

هل الحضارة الإسلامية هي إرث تشاركت فيه جميع الشعوب؟

هل الحضارة الإسلامية هي إرث تشاركت فيه جميع الشعوب، والأمم

إن الحضارة الإسلامية واحدة من أعرق الحضارات في العالم، والتي عُرِفت بإسهاماتها في مُختلف المجالات، فهل الحضارة الإسلامية هي إرث تشاركت فيه جميع الشعوب، والأمم؟

نعم؛ خاصة الشعوب التي دخلت في الإسلام، واقتبست منها الحضارات الأخرى، فقد جاءت الحضارة الإسلامية في الوقت الذي كانت تعاني فيه أوروبا من تحكم الكنيسة القامع للحريات والأفكار والفن وكل معالم الحضارة، فكانت الكنيسة بمثابة القاتل لكل ما هو حضاري.

يسمونها الأوروبيون عصور الظلام dark ages، بسبب انتشار الخرافة والجهل والفقر، وكان العلم حينها مُقتصرًا على علماء الدين، وكان مليء بالخرافات.

كان لرجال الكنيسة اليد العليا في أسلوب التفكير السائد واتهام المفكرين بالكفر والهرطقة، وكانت تلك الفترة هي نفسها الفترة الذهبية للحضارة الإسلامية، وصل فيها المسلمون لأقصى ما يمكن الوصول إليه في كل المجالات..

لعل الأندلس التي كانت تاج فوق رؤوس المسلمين وحكمها المسلمون قرابة ال 900 عام، فكان الأوربيون عندما يذهبون إليها للدراسة أو التجارة يفتخرون عند عودتهم بالبضاعة العربية من الملابس ويتكلمون العربية دلالة على الثقافة العالية !

لا يفوتك أيضًا:  فن المنمنمات في الحضارة الإسلامية

إسهامات الحضارة الإسلامية

هل الحضارة الإسلامية هي إرث تشاركت فيه جميع الشعوب، والأمم

لا خِلاف أن الحضارة الإسلامية هي إرث تشاركت فيه جميع الشعوب، والأمم.. فظهر أثر ذلك في المجالات المُختلفة التي أسهمت الحضارة في تطورها.

1- مجال الطب

العرب هم أصحاب أول مستشفى بالشكل الحديث وبالتخصصات المختلفة لها، وقد بنيت في العصر الأموي في عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك، فكان أول من استعمل الجبائر للكسور من البوص وجريد النخل والخشب، وأول من عالج الكسور دون تدخل جراحي وبطريقة احترافية نستعمل مثلها الآن.

الإبر التي نستعملها اليوم هي من صنع العرب أيضًا، وقد صنعت في بادئ الأمر من مواد مثل الذهب والفضة والنحاس، ويعتبر العالم ابن سينا هو أول من وضع حل وعلاج لمرض السرطان وحدده في ثلاث خطوات.

  1. الكشف المبكر للورم السرطاني
  2. الجراحة المبكرة
  3. استئصال الورم

كتب الزهراوي عن علاج ابن سينا للسرطان في كتابه (التصريف) حين قال:

(متى كان السرطان في موضع يمكن استئصاله كله كالسرطان الذي يكون في الثدي أو في الفخذ ونحوهما من الأعضاء المتمكنة لإخراجه بجملته، إذا كان مبتدئًا صغيراً فافعل. أما متى تقدم فلا ينبغي أن تقربه فاني ما استطعت أن أبرئ منه أحدا. ولا رأيت قبلي غيري وصل إلى ذلك).

في الوقت الذي كان علماء وجراحون أوروبا غير قادرين على القيام بجراحة دقيقة، كان الزهراوي يقوم بعملية استئصال الغدة الدرقية ، ولم يستطع الأوروبيون القيام بتلك العملية إلا بعده بتسع قرون !

يعتبر الحسن بن الهيثم الرائد في مجال البصريات والفيزياء هو الكاشف الأول لطريقة العين في رؤيتها للأشياء، وترجمت كتبه وأبحاثه في هذا المجال لكل اللغات وأخذت الفارسية عن.

ثُم أكملت عليها عندما فسَّر العالم الفارسي ثيودوريك من فرايبرغ كتابات ابن الهيثم في ظاهرة قوس قزح اعتمادًا على كتاب المناظر لابن الهيثم، فنتأكد أن الحضارة الإسلامية هي إرث تشاركت فيه جميع الشعوب، والأمم، ولم تقِف الحضارات الغربية عنده بل أكملت عليه.

اكتشف ابن البيطار ( شيخ العطارين ) أكثر من 300 نوع نبات طبي المستخدمة في علاج عشرات الأمراض، فكان يجوب العالم، ومعه رسام يقوم برسم النباتات في كل مراحل تطورها ونموها

وكتابة كل خصائصها وألوانها وأنواعها، فاستطاع بذلك كتابة الموسوعات العلمية عن النباتات والأعشاب واستخداماتها.

لم يقتصر المسلمون في علمهم على الطب بشقه الجسدي بل تطرقوا أيضًا إلى ما يعرف الآن بالطب النفسي، ويعد ابن سينا هو أول من أشار إلى تأثير الصحة النفسية على الدورة الدموية وقرحة المعدة وسرعة النبض، وكان ذلك قمة التقدم الطبي الذي لم تعرفه أوروبا إلا بعد قرون من هذا الزمن.

2- مجال البناء والعمارة

في إسبانيا وأوروبا يرتبون رحلات سياحية فقط للتأمل في طرق بناء قصر الحمرا في أشبيلية، ذلك القصر الإعجازي في كل تفاصيل بناؤه، ولعل من أبرز معالمه نافورة الأسود التي مازالت تحت الدراسة من قبل الأوروبيين حتى الآن.

استطاع العرب التربع على عرش العمارة والتشييد، وكان لنا في ذلك علماء وفنيين لا يضاهيهم أحد، ولا تزال بناءات العرب المعقدة شامخة وشاهدة على عظمة الحضارة.

نشأت العمارة الإسلامية كحرفة بسيطة فالبداية واعتمدت على الشق الفني أكثر من الشق العملي فكان العرب حرفيين بشكل خرافي، وانقسمت العمارة الإسلامية في بناء المساجد والقصور والقلاع والقناطر، وغيرها..

تعتبر القاهرة أكبر متحف مفتوح للعمارة الإسلامية في العالم، فهي مدينة تضم مئات الأضرحة والمساجد وتسمى بلد الألف مئذنة، والمميز في العمارة الإسلامية أنها لم تكن على شكل واحد؛

فأخذت من كل البلدان التي فتحها المسلمون، فمثلًا تجد العمارة الإسلامية في إيران مختلفة كل الاختلاف عن تلك الموجودة في مصر أو سوريا .

وأدى هذا التنوع إلى تنوع  إرث العمارة الإسلامية في بقاع كثيرة من العالم تمتد من إسبانيا غربًا وصولًا للصين شرقًا.

لعل العصر العباسي هو صاحب النصيب الأكبر من ازدهار العمارة الإسلامية، ويشهد مسجد سامراء في نجد بذلك، وهو أحد أبرز المباني المميزة المليئة بالتفاصيل المهلكة لناظرها من شدة جمالها ودقتها.

لا يفوتك أيضًا:  عدد وأسماء محافظات الجمهورية الإسلامية الإيرانية

3- مجال علم الفلك

أعظم ما تركته الحضارة العربية للعالم هي كتاباتها في علم الفلك، فقد برع العرب في هذا المجال، وانتفعوا به عظيم الانتفاع، فعرفوا من خلاله الوقت والشهور والسنين والفصول ومواعيد الكسوف والخسوف والكواكب ومساراتها.

أنشأ العرب مرصدًا فلكيًّا كان الأول من نوعه في الشام، وأطلقوا عليه اسم (تدمر) واستطاعوا من خلاله رؤية القمر والكواكب بشكل واضح وعمل الدراسات عليهم.

كان العرب يصدرون كتابًا باسم المناخ، وهو كتاب تنبؤي عن أحوال الطقس ومواسم الزراعة والحصاد والأمطار وذلك حسب التوقعات الفلكية، وقد أخذت أوروبا تلك الفكرة بشكل مباشر ومازالت الموسوعة السنوية من المناخ Almanac تصدر سنويًّا في معظم بلدان العالم.

4- مجال الزراعة

ابتدع العرب بعض الأدوات الزراعية مثل الشادوف والساقية، وأخذت أوروبا فكرة طواحين الهواء من المسلمين فهم أول من استخدموها في الأندلس.

كما أخذوا فكرة رفع المياه بالسواقي من المسلمين أيضًا، وكان هذا الأسلوب متعارفًا عليه في العصر الأموي ومازال حتى الآن موجود في كثير من البلدان مثل مصر.

استخدم العرب آلة عبقرية لرفع المياه من الآبار العميقة أو لرفع منسوب النهر إذا كان منخفضًا، وكانت تلك الآلة تستطيع رفع المياه لما يقارب العشر أمتار وهو ما يعادل مبنى من ثلاثة أو أربعة طوابق.

للعرب إسهامات مختلفة وإرث حضاري كبير في شتى المجال، ولا يسعنا سوى أن نذكر بعضًا منها بسبب كثرتها، لكن ما يمكننا التأكيد عليه هو عظمة تلك الحضارة، وأثرها البالغ على العالم أجمع.